المجلس الثالث
ليلة الأحد 25/ رجب / 1345 هجرية
حضر مجلس البحث الذي انعقد في أول الليل فضيلة الحافظ محمد رشيد مع ثلة من المشايخ والعلماء، وجمع كبير من أتباعهم، فلما استقر بهم المجلس وتناولوا الشاي والحلوى....
قال الحافظ: في الليلة البارحة لما ذهبت من هنا إلى البيت لمت نفسي كثيرا لعدم تحقيقي ومطالعتي حول المذاهب الأخرى وعقائدهم وأقوالهم، ولم اكتف بكتب مخالفيهم وبتعبيركم: المتعصبين على غيرهم!
وقد ظهر لنا ـ من جملة كلامكم ـ في الليلة الماضية: أن الشيعة يفترقون على مذاهب وطرق شتى، فأي مذهب على حق عندكم؟ بينوه حتى نعرف على أي مذهب نحاوركم، ونكون على بينة من الأمر في هذا التفاهم الديني والحوار المذهبي!
قلت: إني لم أذكر في الليلة الماضية أن الشيعة على مذاهب، وإنما الشيعة مذهب واحد، وهم المطيعون لله وللرسول محمد (ص) والأئمة الاثني عشر (ع).
ولكن ظهرت مذاهب كثيرة بدواع دنيوية وسياسية زعمت أنها من الشيعة، وتبعهم كثير من الجهال فاعتقدوا بأباطيلهم وكفرياتهم، وحسبهم الجاهلون الغافلون بأنهم من الشيعة، ونشروا كتبا على هذا الأساس الباطل من غيساس الباطل من غير تحقيق وتدقيق.
وأما المذاهب التي انتسبت إلى الشيعة عن جهل أو عمد لأغراض سياسية ودنيوية، فهي أربع مذاهب أولية، وقد اضمحل منها مذهبان وبقي مذهبان، تشعبت منها مذاهب أخرى.
والمذاهب الأربعة هي: الزيدية، الكيسانية، القداحية، الغلاة.
مذهب الزيدية
وبعد وفاة علي بن الحسين (ع) ساق جماعة من الشيعة الإمامة إلى ابنه زيد وعرف هؤلاء بالزيدية وهم الذين (ساقوا الإمامة في أولاد فاطمة ولم يجوزوا ثبوت الإمامة في غيرهم) إلا أنهم جوزوا أن يكون كل فاطمي عالم زاهد شجاع سخي خرج بالإمامة أن يكون إماما واجب الطاعة سواءً كان من أولاد الحسن أو من أولاد الحسين(1).
ولما كان زيد الشهيد (ع) كذلك، اتخذوه إماما بعد أبيه فقد خرج ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويدفع الظلم عن نفسه وعن المؤمنين، وكان سيدا شريفا، وعالما تقيا، وشجاعا سخيا وقد أخبر رسول الله (ص) عن شهادته، فقد روى الإمام الحسين (ع) أن رسول الله (ص) وضع يده على ظهري وقال: يا حسين سيخرج من صلبك رجل يقال له زيد يقتل شهيدا، فإذا كان يوم القيامة يتخطى هو وأصحابه رقاب الناس ويدخلون الجنة.
وقال الإمام علي بن موسى الرضا (ع) للمأمون وهو يحدثه عن زيد بن علي الشهيد أنه كان من علماء آل محمد غضب في الله فجاهد أعداءه حتى قتل في سبيله، ولقد حدثني أبي موسى بن جعفر أنه سمع أباه جعفر بن محمد يقول: رحم الله عمي زيدا إنه دعا إلى الرضا من آل محمد ولو ظفر لوفّى لله، ومن ذلك أنه قال: أدعوكم إلى الرضا من آل محمد(2).
روى الخزاز(3) في حديث طويل عن محمد بن بكير قال: دخلت على زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وعنده صالح بن بشر فسلمت عليه وهو يريد الخروج إلى العراق فقلت له: يا ابن رسول الله... هل عهد إليكم رسول الله (ص) متى يقوم قائمكم؟ قال: يا ابن بكير، إنك لن تلحقه، وأن هذا الأمر تليه ستة من الأوصياء بعد هذا (ويعني الإمام الباقر) ثم يجعل الله خروج قائمنا، فيملؤها قسطا وعدلا كما ملئت جورا و ظلما.
فقلت يا ابن رسول الله ألست صاحب هذا الأمر؟
فقال: أنا من العترة، فعدت فعاد إلي، فقلت: هذا الذي تقول عنك أو عن رسول الله (ص)؟
فقال: لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير، لا ولكن عهد عهده إلينا رسول الله (ص).
الكيسانية
وهم أصحاب كيسان وكان عبدا اشتراه الإمام علي (ع) فأعتقه، ويقولون بإمامة محمد بن الحنفية بعد إمامة الحسن المجتبى والحسين سيد الشهداء (ع)، ولكن محمدا لم يدع الإمامة أبدا وهو عندنا سيد التابعين، ويعرف بالعلم والزهد والورع والإطاعة للإمام السجاد (ع) زين العابدين.
نعم، نقل بعض المؤرخين بعض الاختلافات بينهما، وقد اتخذ الكيساني تلك الاختلافات دليلا على ادعاء محمد بن الحنفية لمقام الإمامة.
ولكن الحقيقة أنه أراد أن يوجه أصحابه إلى عدم صلاحيته لذلك المقام الرفيع، فكان في الملأ العام يخالف رأي الإمام زين العابدين عليه السلام، وكان الإمام عليه السلام يجيبه جوابا مقنعا فيفحمه، فكان محمد يسلم للإمام ويطيعه ، وأخيرا تحاكما عند الحجر الأسود في أمر الإمامة وأقر الحجر بإمامة علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليه السلام، فبايع محمد بن الحنفية ابن أخيه الإمام السجاد، وتبعه أصحابه وعلى رأسهم أبو خالد الكابلي، فبايعوا إلا قليل منهم بقوا على عقيدتهم الباطلة بحجة أن اعتراف محمد بإمامة زين العابدين عليه السلام حدث لمصلحة لا نعرفها!!
ومن بعد موته، قالوا بأنه لم يمت! وإنما غاب في شعب جبل رضوى ، وهو الغائب المنتظر الذي أخبر عنه رسول الله (ص) وسيظهر ويملأ الأرض قسطا وعدلا.
وقد انقسموا على أربع فرق: المختارية، الكربية، الإسحاقية، الحربية، وكلهم انقرضوا ولا نعرف اليوم أحدا يعتقد بمذهبهم.
القداحية
وهم قوم باطنيون يتظاهرون بالتمسك ببعض عقائد الشيعة ويبطنون الكفر والزندقة والإلحاد!!
ومؤسس هذا المذهب الباطل هو: ميمون بن سالم، او ديصان، وكان يعرف ويلقب بقداح، وكان ابتداء هذا المذهب في مصر، وهم فتحوا باب تأويل القرآن والأحاديث حسب رأيهم كيفما شاءوا، وجعلوا للشريعة المقدسة ظاهرا وباطنا وقالوا: إن الله تعالى علّم باطن الشريعة لنبيه، وهو علّمه عليا، وعلي عليه السلام علم أبناءه، وشيعته المخلصين.
وقالوا: بأن الذين عرفوا باطن الشريعة، تحرروا وخلصوا من الطاعة والعبودية الظاهرية!!
وقد بنوا مذهبهم على سبعة أسس، واعتقدوا بسبعة أنبياء وسبعة أئمة، فقالوا في الإمام السابع، وهو موسى بن جعفر عليه السلام: بأنه غاب ولم يمت ، وسيظهر ويملأ الأرض قسطا وعدلا!! وهم فرقتان:
1ـ الناصرية: أي: أصحاب ناصر خسرو العلوي، الذي تمكن بقلمه وشعره أن يدفع كثيرا من الغافلين في هوة الكفر والإلحاد، وكان له أتباع في طبرستان.
2ـ الصبّاحيّة: وهم أصحاب حسن الصباح، وهو من أهل مصر، ثم هاجر إلى إيران ونشر دعوته في نواحي قزوين، وكانت واقعة قلعة " الموت " بسببه، والتي قتل فيها كثير من الناس، والتاريخ يذكرها بالتفصيل ولا مجال لذكرها.
الغلاة
وهم أخس الفرق المنسوبة إلى التشيع، وهم سبع فرق كلهم ملحدون: السّبئية، المنصورية، الغرابية، البزيغية، اليعقوبية، الإسماعيلية، الدرزية.
ولا مجال لشرح أحوالهم وعقائدهم، وإنما أشرت إليهم وذكرتهم لأقول: نحن الشيعة الإمامية الإثنا عشرية نبرأ من هذه الطوائف والفرق والمذاهب الباطلة ونحكم عليهم بالكفر والنجاسة، ووجوب الاجتناب عنهم.
هذا حكم أئمة أهل البيت عليهم السلام الذين نقتدي بهم، وقد ذكرت لكم بعض الروايات عن أئمتنا عليهم السلام في حق أولئك الزنادقة الملحدين ـ في الليلة الماضية ـ.
ومع الأسف أن نرى كثيرا من أصحاب القلم لم يفرقوا بين الشيعة الإمامية الجعفرية وبين هذه الفرق المنتسبة للشيعة، مع العلم أن عددنا يربو على أتباع هذه المذاهب الباطلة بأضعاف مضاعفة، وهم نسبة ضئيلة جدا، وعددنا نحن اليوم أكثر من مائة مليون، وأصحابنا موجودون في كل بلاد العالم، ونعلن براءتنا من هذه العقائد الفاسدة والمذاهب الباطلة التي تنسب إلى الشيعة.
خلاصة عقائدنا
والآن أذكر لكم أصول عقائد الشيعة الإمامية الاثنى عشرية باختصار ، وأرجو أن لا تنسبوا إلينا غير ما أبينه لكم.
نعتقد: بوجود الله سبحانه وتعالى، الواجب الوجود، الواحد الأحد، الفرد الصمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، ليس له شبيه ولا نظير ، ولا جسم ولا صورة، لا يحل في جسم، ولا يحدد بمكان ليس بعرض ولا جوهر، بل هو خالق العرض والجوهر وخالق كل شيء، منزه عن جميع الصفات التي تشبهه بالممكنات، ليس له شريك في الخلق وهو الغني المطلق، والكل محتاج إليه على الإطلاق.
أرسل رسله إلى الخلق واصطفاهم من الناس واختارهم فبعثهم إليهم بآياته وأحكامه ليعرفوه ويعبدوه، فجاء كل رسول من عند الله سبحانه ما يقتضيه الحال ويحتاجه الناس، وعدد الأنبياء كثير جدا إلا أن أصحاب الشرائع خمسة، وهم أولو العزم:
1ـ نوح، نجي الله 2ـ إبراهيم، خليل الله 3ـ موسى، كليم الله 4ـ عيسى، روح الله 5ـ محمد، حبيب الله، صلوات الله وسلامه عليهم جميعا.
وإن سيدهم وخاتمهم هو: نبينا محمد المصطفى (ص)، الذي جاء بالإسلام الحنيف وارتضاه الله تعالى لعباده دينا إلى يوم القيامة.
فحلال محمد (ص) حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة.
والناس مجزون بأعمالهم يوم الحساب، فالدنيا مزرعة الآخرة، فيحيي الله الخلائق بقدرته، ويرد الأرواح إلى الأجساد، ويحاسبهم على أقوالهم وأفعالهم (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) (4).
ونعتقد: بالقرآن الحكيم كتابا، أنزله الله تبارك وتعالى على رسوله الكريم محمد (ص)، وهو الذي بين أيدي المسلمين، لم يحرف ولم يغير منه حتى حرف واحد، فيجب علينا أن نلتزم به ونعمل بما فيه من الصلاة والصوم والزكاة والخمس والحج والجهاد في سبيل الله.
ونلتزم بكل ما أمر به الرب الجليل، وبكل الواجبات والنوافل التي بلغها النبي (ص) ووصلتنا عن طريقه.
ونمتنع عن ارتكاب المعاصي، صغيرة أو كبيرة، كشرب الخمر ولعب القمار والزنا واللواط والربا وقتل النفس المحترمة والظلم والسرقة، وغيرها مما نهى الله ورسوله عنها.
ونعتقد: أن الله عز وجل هو وحده يبعث الرسل وينزل عليهم الكتاب والشريعة، ولا يحق لقوم أن يتخذوا لأنفسهم دينا ونبيا غير مبعوث من عند الله تعالى ، وكذلك هو وحده الذي ينتخب ويختار خلفاء رسوله بالنص، والرسول يعرفهم للأمة.
وكما أن جميع الأنبياء عرفوا أوصياءهم وخلفاءهم لأممهم كذلك خاتم الأنبياء محمد (ص) لم يترك الأمة من غير هاد وبلا قائد مرشد من بعده، بل نصب عليا وليا مرشدا، وعلما هاديا، وإماما لأمته، وخليفة من بعده في نشر دينه وحفظ شريعته.
وقد نص النبي (ص) ـ كما في كتبكم أيضا ـ أن خلفاءه من بعده اثنا عشر، عرفهم بأسمائهم وألقابهم، أولهم سيد الأوصياء علي بن أبى طالب عليه السلام، وبعده ابنه الحسن المجتبى، ثم الحسين سيد الشهداء ثم علي بن الحسين زين العابدين، ثم ابنه محمد باقر العلوم، ثم ابنه جعفر الصادق، ثم ابنه موسى الكاظم، ثم ابنه علي الرضا، ثم ابنه محمد التقي، ثم ابنه علي النقي، ثم ابنه الحسن العسكري، ثم ابنه محمد المهدي، وهو الحجة القائم المنتظر، الذي غاب عن الأنظار، وسوف يظهر فيملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا، وقد تواترت الأخبار في كتبكم وعن طرقكم أيضا، أن النبي (ص) أخبر بظهور المهدي صاحب الزمان، وهو المصلح العالمي الذي ينتظره جميع أهل العالم، ليمحو الظلم والجور ويقيم العدل والقسط على وجه البسيطة.
وبكلمة واحدة أقول: نحن نعتقد بجميع الأحكام الخمسة ـ من الحلال والحرام والمستحب والمكروه والمباح ـ التي أشار إليها القرآن الكريم، أو جاءت في الروايات والأخبار الصحيحةلمعتبرة التي وصلتنا عن النبي الأكرم (ص) وأهل بيته الطيبين الطاهرين.
وأنا أشكر الله ربي إذ وفقني لأعتقد بكل ذلك عن تحقيق ودراسة وعلم واستدلال، لا عن تقليد الآباء والأمهات، ولذا فإني أفتخر بهذا الدين والمذهب الذي أتمسك به، وأعلن أني مستعد لأناقش على كل صغيرة وكبيرة من عقائدي، وبحول الله وقوته أثبت حقانيتها.
(الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) (5).
ارتفع صوت المؤذن لصلاة العشاء، وبعد الفراغ من الصلاة شربوا الشاي وتناولوا شيئا من الحلوى، ثم افتتح الحافظ كلامه قائلا:
نشكركم على التوضيح عن فرق الشيعة، ولكن نرى في الأخبار والأدعية المروية في كتبكم وعبارات ظاهرها يدل على الكفر!
قلت: أرجو أن تذكروا عبارة واحدة من تلك العبارات حتى نعرف.
الحافظ: إني طالعت أخبارا كثيرة في كتبكم بهذا المعنى ولكن الذي أذكره الآن ويجول في خاطري، عبارة، في " تفسير الصافي " (6) للفيض الكاشاني الذي هو أحد كبار علمائكم فقد روى: أن الحسين شهيد الطف وقف يوما بين أصحابه فقال : أيها الناس! إن الله تعالى جل ذكره ما خلق العباد إلا ليعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه، وإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه.
قال رجل من أصحابه: بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله (ص) فما معرفة الله؟
قال (ص): معرفة أهل كل زمان إمامهم الذي تجب عليهم طاعته.
قلت: أولا: يجب أن ننظر إلى سند الرواية، هل كان صحيحا أو موثقا، قويا أو ضعيفا، معتبرا أو مردودا.
ثم على فرض صحة السند فهو خبر واحد، فلا يجوز الاستناد عليه والالتزام به، فمثل هذا الخبر يلغى عندنا لمناقضته للآيات القرآنية والروايات الصريحة المروية عن أهل البيت عليهم السلام في التوحيد(7).
ومن أراد أن يعرف نظر الشيعة في التوحيد فليراجع خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في)نهج البلاغة) حول التوحيد وليراجع مناظرات أئمتنا عليهم السلام ومناقشاتهم مع الماديين والدهريين المنكرين لوجود الله عز وجل، لتعرفوا كيف ردوا شبهاتهم، وأثبتوا وجود الخالق وتوحيده على أحسن وجه.
راجعوا كتاب توحيد المفضل، وتوحيد الصدوق، وكتاب التوحيد من موسوعة " بحار الأنوار " للعلامة المجلسي قدس الله أسرارهم.
وطالعوا بدقة كتاب النكت العقائدية، والمقالات في المذاهب والمختارات، وهما من تصانيف محمد بن محمد بن نعمان، المعروف بالشيخ المفيد طاب ثراه، وهو من أكبر علمائنا في القرن الرابع الهجري.
طالعوا بإمعان كتاب) الاحتجاج) للشيخ الجليل أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي رحمه الله.
راجعوا هذه الكتب القيمة حتى تعرفوا كلام أئمة الشيعة وعلمائهم في التوحيد.
ولكنكم لا تريدون معرفة الحقيقة والواقع! وإنما تبحثون في كتبنا لتجدوا أخبارا متشابهة فتتحاملون بها علينا، وتهرجون بها ضدنا.
أتبصر في العين مني القذى | وفي عينك الجذع لا تـــبصر |
الحافظ: إن المضحك المخجل هو كلامكم في تخطئة الكتب العظيمة التي لم يصنف ولم يؤلف مثلها في الإسلام، خصوصا صحيح البخاري وصحيح مسلم اللذان أجمع علماء الإسلام على صحتهما، وأن الأحاديث المروية فيها صادرة عن النبي (ص) قطعا، ولو أن أحدا أنكر الصحيحين أو خطّأ بعض الأحاديث المروية فيهما فإنه ينكر وينفي مذهب السنة والجماعة، لأن مدار عقائد أهل السنة وفقههم بعد القرآن يكون على هذين الكتابين.
كما كتب ابن حجر المكي، وهو من كبار علماء الإسلام وإمام الحرمين، في كتابه " الصواعق المحرقة ": فصل في بيان كيفيتها ـ أي: كيفية خلافة أبي بكر ـ روى الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما اللذين هما أصح الكتب بعد القرآن ، بإجماع يعتد به: فلذلك من البديهي أن الأخبار المندرجة في الصحيحين كلها قطعية الصدور عن النبي (ص)، لأن الأمة أجمعت على قبولهما، وكل ما أجمعت الأمة على قبوله فهو مقطوع به، فكل ما في الصحيحين مقطوع بصحته!!
على هذا، كيف يتجرأ أحد أن يقول: توجد في الصحيحين خرافات وكفريات وموهومات؟!
رد الإجماع المزعوم
قلت: نحن نورد إشكالا علميا على الإجماع الذي تدعونه على صحة ما في الصحيحين وإسناد ما فيها إلى النبي (ص)! فقد ناقش كثير من علمائكم روايات الصحيحين ورفضوا كثيرا منها، أضف على أولئك جميع الشيعة، وهم أكثر من مائة مليون مسلم في العالم.
فإن إجماعكم هذا مثل الإجماع الذي زعمتم في الخلافة بعد النبي (ص)!!
فإن كثيرا من علمائكم الكبار، مثل: الدارقطني وابن حجر وشهاب الدين أحمد بن محمد القسطلاني في (إرشاد الساري) والعلامة أبي الفضل جعفر بن ثعلب الشافعي في كتاب (الامتناع في أحكام السماع) والشيخ عبد القادر بن محمد القرشي الحنفي في (الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية) وشيخ الإسلام أبو زكريا النووي في شرح صحيح مسلم، وشمس الدين العلقمي في (الكوكب المنير في شرح الجامع الصغير) وابن القيم في كتاب (زاد المعاد في هدي خير العباد) وأكثر علماء الحنفية انتقدوا كثيرا من الأحاديث المدرجة في الصحيحين وقالوا: إنها من الروايات الضعاف وهي غير صحيحة.
وبعض المحققين من علمائكم مثل كمال الدين جعفر بن ثعلب بالغ في بيان فضائح بعض الروايات من الصحيحين، وأقام الأدلة العقلية والنقلية على خلافها.
فلسنا وحدنا المنتقدين لصحيحي مسلم والبخاري والقائلين بوجود الخرافات فيهما حتى تهرج ضدنا!
الحافظ: بينوا لنا من خرافات الصحيحين كما تزعمون حتى نترك التحكيم في ذلك للحاضرين.
قلت: أنا لا أحب أن أخوض في هذا البحث، ولكن تلبية لطلبكم، ولكي تعرفوا أني لا أتكلم إلا عن علم وإنصاف، وعن وجدان وبرهان، اذكر بعض تلك الروايات باختصار:
رؤية الله سبحانه عند أهل السنة
إذا أردتم الاطلاع على الأخبار التي تتضمن الكفر في الحلول والاتحاد وتجسم الله سبحانه ورؤيته في الدنيا أو في الآخرة على اختلاف عقائدكم، فراجعوا: صحيح البخاري ج 1، باب فضل السجود من كتاب الصلاة، وج 4 باب الصراط من كتاب الرقاق، وصحيح مسلم ج1، باب إثبات رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة، ومسند أحمد ج2 ص 275، وأنقل لكم نموذجين من تلك الأخبار الكفرية:
1ـ عن أبي هريرة: إن النار تزفر و تتقيظ شديدا، فلا تسكن حتى يضع الرب قدمه فيها، فتقول: قطّ قطّ، حسبي حسبي.
وعنه: إن جماعة سألوا رسول الله (ص): هل نرى ربنا يوم القيامة ؟
قال (ص): نعم، هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب... إلى آخرها.
بالله عليكم أنصفوا! أما تكون هذه الكلمات كفرا بالله سبحانه وتعالى.
وقد فتح مسلم بابا في صحيحه كما مر ونقل أخبار عن أبي هريرة وزيد بن أسلم وسويد بن سعيد وغيرهم في رؤية الله تبارك وتعالى.
وقد رد هذه الأخبار كثير من كبار علمائكم وعدوها من الموضوعات والأكاذيب على النبي (ص)، منهم الذهبي في " ميزان الاعتدال " والسيوطي في " اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة " وسبط ابن الجوزي في " الموضوعات " فهؤلاء كلهم أثبتوا ـ بأدلة ذكروها ـ كذب تلك الأخبار وعدم صحتها.
وإذا لم تكن هناك أدلة على بطلانها سوى الآيات القرآنية الصريحة في دلالتها على عدم جواز رؤية الباري عز وجل لكفى، مثل: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير)(8).
وفي قصة موسى بن عمران (ع) وقومه إذ طلبوا منه رؤية الله تعالى وهو يقول لهم: لا يجوز لكم هذا الطلب، ولكنهم أصروا فقال: (رب أرني أنظر إليك قال لن تراني)(9) و (لن) تأتي في النفي الأبدي.
قال السيد عبد الحي ـ وهو إمام جماعة المسجد ـ: ألم ترووا عن علي كرم الله وجهه أنه قال: لم أكن أعبد ربا لم أره؟!
قلت: حفظت شيئا وغابت عنك أشياء، إنك ذكرت شطرا من الخبر ولكني أذكر لك الخبر كله حتى تأخذ الجواب من نص الخبر:
روى ثقة الإسلام الشيخ محمد بن يعقوب الكليني قدس سره(10) في كتاب الكافي كتاب التوحيد باب إبطال الرؤية وروى أيضا الشيخ الكبير حجة الإسلام أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق طاب ثراه(11) في كتاب التوحيد باب إبطال العقيدة رؤية الله تعالى، رويا عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) أنه قال: جاء حَبْرٌ إلى أمير المؤمنين (ع) فقال: يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك حين عبدته؟
فقال (ع): ويلك! ما كنت أعبد ربا لم أره.
قال: وكيف رأيته.
قال (ع): ويلك! لا تدركه العيون بمشاهدة الأبصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان.
فكلام أمير المؤمنين (ع) صريح في نفي رؤيته سبحانه بالبصر، بل يدرك بالبصيرة وبنور الإيمان.
وعندنا دلائل عقلية ونقلية أقامها علماؤنا في الموضوع، وتبعهم بعض علمائكم، مثل: القاضي البيضاوي، وجار الله الزمخشري في تفسيريهما، أثبتا أن رؤية الله سبحانه لا تمكن عقلا.
فمن يعتقد برؤية الله سواء في الدنيا أو في الآخرة، يلزم أن يعتقد بجسميته عز وجل، وبأنه محاط ومظروف، ويلزم أن يكون مادة حتى يرى بالعين المجردة، وهذا كفر كما صرح العلماء الكرام من الفرقين!!
الأخبار الخرافية في الصحيحين
ثم أني أعجب كثيرا من اعتقادكم بالصحاح الستة، وبالأخص صحيحي البخاري ومسلم على أنهما كالوحي المنزل، فلو نظرتم فيهما بعين التحقيق والنقد، لا بعين القبول والتسليم، لاعتقدتم بكلامي، ولقبلتم أن صحاحكم، وحتى صحيحي مسلم والبخاري لا تخلو من الخرافات والموهومات، وإليكم بعضها:
1ـ أخرج البخاري في كتاب الغسل، باب من اغتسل عريانا، وأخرج مسلم في ج2 باب فضائل موسى، وأخرج أحمد في مسنده ج2 ص 315 عن أبي هريرة قال: كانوا بنوا إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى سوأة بعض، وكان موسى يغتسل وحده، فقالوا: والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر ـ أي ذو أدرة، وهي: الفتق ـ.
قال فذهب مرة ليغتسل فوضع ثوبه على حجر، ففر الحجر، بثوبه، فجعل موسى يجري بأثره ويقول: ثوبي حجر! ثوبي حجر! حتى نظر بنو إسرائيل إلى سوأة موسى!!! فقالوا: والله ما بموسى من بأس، فقام الحجر بعد حتى نظر إليه، فأخذ موسى ثوبه فطفق بالحجر ضربا!! فوالله إن بالحجر ندبا ستة أو سبعة!!
بالله عليكم أنصفوا.. هل يرضى أحدكم أن تنسب إليه هذه النسبة الموهنة الشنيعة؟! التي لو نسبت إلى سوقيّ عاميّ لغضب واستشاط! فكيف بنبي صاحب كتاب وشريعة، وصاحب حكم ونظام، يخرج في أمته وشعبه عريانا وهم يمنعون النظر إلى سوأته هل العقل يقبل هذا؟!
وهل من المعقول أن الحجر يسرق ملابس موسى ويفر بها وموسى يركض خلفه، والحجر يمر من فوق يده وموسى ينادي الحجر، والحجر أصم لا يسمع ولا يبصر؟!!
وهل من المعقول أن موسى بن عمران يقوم بعمل جنوني فيضرب الحجر ضربا مبرحا حتى يئن الحجر؟!!
ليت شعري أبيده كان يضرب الحجر ؟! فهو المتألم لا الحجر!!
أم كان يضربه بالسيف، فالسيف ينبو وينكسر!
أم كان الضرب بالسوط، فالسوط يتقطع!
فما تأثير الضرب بأي شكل كان، على الحجر؟!
فكل ما في الحديث من المحال الممتنع عقلا، وهو من الأحاديث المضحكة التي من التزم بها فقد استهزأ بالله ورسله!!
قال السيد عبد الحي: هل حركة الحجر أهم أم انقلاب عصا موسى إلى ثعبان وحية تسعى؟!! أتنكرون معاجز موسى بن عمران فقد نطق بها القرآن؟!
قلت نحن لا ننكر معاجز موسى ومعاجز سائر الأنبياء (ع)، بل نؤمن بصدور المعاجز من الأنبياء ولكن في محلها، وهو مقام تحديهم الخصوم في إحقاق الحق ودحض الباطل. وموضوع الحجر في غير محل الإعجاز، فأي إحقاق حق ودحض باطل في التشهير بكليم، وإبداء سوأته على رؤوس الأشهاد من قومه؟! بل هو تنقيص من مقامه! ولا سيما وهم يشاهدونه يركض وراء حجر لا يسمع فيناديه: ثوبي حجر!!، أو يشتد ويغضب على حجر لا يشعر ولا يدرك فينهال عليه ضربا!!
السيد عبد الحي: أي حق أعلى من إبراء نبي الله؟! فالناس عرفوا بذلك أن ليس فيه فتق!
قلت: على فرض أن موسى كان ذا أدرة، فما تأثير هذا المرض على مقامه ونبوته؟!
صحيح أن الأنبياء يجب أن يكونوا براء من النواقص مثل: العمى والصمم والحول، وأن النبي لا يولد فلجا أو مشلولا أو به زيادة أو نقيصة في أحد أعضائه، أما الأمراض العارضة على البشر فلا تعد نواقص، فإن يعقوب بكى حزنا لفراق يوسف حتى ابيضت عيناه، وإن أيوب أصيب بقروح في بدنه، والنبي الأكرم وهو سيد الأولين والآخرين، كسرت ثناياه في جهاده مع الأعداء في أحد، فهذه الأشياء لا تنقص شيئا من شأن الأنبياء ولا تنزل من مقامهم وقدرهم.
والفتق مرض عارض على جسم الإنسان، فما هي أهميته حتى يبرئ الله عز وجل كليمه بهذا الشكل الفظيع المهين. عن طريق خرق العادة والمعجزة، ثم تنتهي بهتك حرمة النبي وكشف سوأته أمام بني إسرائيل؟! وهل بعده يبقى شأن وقدر لموسى عند قومه؟! وهل بعد ذلك سيطيعوه ويحترموه؟!!
وهل يقتنع السيد عبد الحي ويقر بوجود أخبار خرافية في الصحيحين ،أنقل رواية أخرى عن أبي هريرة مضحكة أيضا، ولا أظن أحدا من الحاضرين ـ بعد استماع هذه الرواية ـ سيدافع عن أبي هريرة، أو يعتقد بصحة روايات البخاري ومسلم!
نقل البخاري في ج1، باب من أحب الدفن في الأرض المقدسة، وج2، باب وفاة موسى، ونقل مسلم في ج2 باب فضائل موسى عن أبي هريرة، قال: جاء ملك الموت إلى موسى (ع)، فقال له أجب ربك.
قال أبو هريرة: فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها!!
فرجع الملك إلى الله تعالى، فقال: إنك أرسلتني إلى عبد لك لا يريد الموت ففقأ عيني!
قال: فرد الله إليه عينه وقال: ارجع إلى عبدي فقل: الحياة ترد؟! فان كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور فما توارت بيدك من شعرة فإنك تعيش بها سنة.
وأخرجه الإمام أحمد في مسنده ج2 ص 315، عن أبي هريرة، ولفظه: إن ملك الموت كان يأتي الناس عيانا، فأتى موسى فلطمه ففقأ عينه.
وأخرجه ابن جرير الطبري في تاريخه ج1، في ذكر وفاة موسى ولفظه : إن ملك الموت كان يأتي الناس عيانا أتى موسى فلطمه ففقأ عينه ـ إلى أن قال: ـ إن ملك الموت إنما جاء إلى الناس خفيا بعد موت موسى!
وقد علقت فقلت لأنه يخاف من الجهال أن يفقئوا عينه الأخرى.
فضحك جمع من الحاضرين بصوت عال.
قلت بالله عليكم أنصفوا... ألم يكن هذا الخبر الذي أضحككم من الخرافات والخزعبلات؟! وإني أتعجب من رواة هذا الخبر وناقله!!
وأستغرب منكم إذ تصدقون هذا الخبر وأشباهه، ولا تسمحون لأحد أن يناقشها وينتقدها، حتى لعلمائكم!!
فإن في هذه الرواية ما لا يجوز على الله تعالى ولا على أنبيائه ولا على ملائكته!!
أيليق بالله العظيم أن يصطفي من عباده، جاهلا خشنا يبطش بملك من الملائكة المقربين وهو مبعوث من عند الله تعالى، فيلطمه لطمة يفقأ بها عينه؟!
أليس هذا العمل عمل المتمردين والطاغين الذين يذمهم الله العزيز إذ يقول: (وإذا بطشتم بطشتم جبارين)(12) ؟!
فكيف يجوز هذا على من اختاره الله الحكيم لرسالته، واصطفاه لوحيه، وآثره بمناجاته، وكلمه تكليما(13) وجعله من أولي العزم؟!
وكيف يكره الموت هذه الكراهة الحمقاء فيلطم ملك الموت وهو مأمور من قبل الله تعالى، تلك اللطمة النكراء فيفقأ بها عينه مع شرف مقامه ورغبته في القرب من الله تعالى والفوز بلقائه عز وجل؟!
وما ذنب ملك الموت؟! هل هو إلا رسول الله إلى موسى؟! فبم استحق الضرب بحيث تفقأ عينه؟! وهل جاء إلا عن الله وهل قال لموسى سوى: أجب ربك؟!
أيجوز على أولي العزم من الرسل إيذاء الكروبيين من الملائكة وضربهم حينما يبلغونهم رسالة ربهم وأوامره عز وجل؟!
تعالى الله، وجلت أنبياؤه وملائكته عن كل ذلك وعما يقول المخرفون.
إن هكذا ظلم فاحش لا يصدر من آدمي جاهل فكيف بكليم الله!
ثم إن الهدف والغرض من بعثة الأنبياء وإرسال الرسل: هداية البشر وإصلاحهم، ومنعهم من الفساد والتعدي والوحشية، فلذلك فإن الله سبحانه وكل أنبيائه ورسله منعوا الإنسان من الظلم حتى بالنسبة للحيوان، فكيف بالنسبة لملك مقرب؟!
فلذا نحن نعتقد ونجزم بأن هذا الخبر افتراء على الله وكليمه، وجاعل هذا الخبر كذاب مفتر يريد الحط من شأن النبي موسى ويريد هتك حرمة الأنبياء وتحقيرهم عند الناس.
أنا لا أتعجب من أبي هريرة وأمثاله، لأنه كما كتب بعض علمائكم أنه كان يجلس على مائدة معاوية ويتناول الأطعمة الدسمة اللذيذة، ويجعل الروايات ويضعها على ما يشاء معاوية وأشباهه.
وقد جلده عمر بن الخطاب لكذبه على النبي (ص) وجعل الأحاديث عنه (ص)، فضربه بالسوط حتى أدمى ظهره!!!
ولكن أستغرب وأتعجب من الذين له مرتبة علمية بحيث لو أمعنوا ودققوا النظر لميزوا بين الصحيح والسقيم، ولكنهم أغمضوا.. أعينهم ونقلوا هذه الأخبار الوراثية في كتبهم، وأخذ الآخرون عنهم ونشروها فيكم، حتى أن جناب الحافظ رشيد يعتقد كما يزعم: أن هذه الكتب أصح الكتب بعد كلام الله المجيد، وهو لم يطالعها بدقة علمية، وإلا لما كان يبقى على الاعتقاد الذي ورثه من أسلافه عن تقليد أعمى.
وما دامت هذه الأخبار الخرافية توجد في صحاحكم وكتبكم فلا يحق لكم أن تثيروا أي إشكال على كتب الشيعة لوجود الأخبار الغريبة فيها، وهي غالبا قابلة للتأويل والتوجيه!
نرجع إلى الخبر المروي عن إمامنا الحسين عليه السلام(14)
كل عالم منصف إذا كان يسلك طريق الإصلاح، إذا وجد هكذا خبر مبهم ـ وما أكثرها في كتبكم وكتبنا ـ إن كان يمكنه أن يؤوله بالأخبار الصريحة الأخرى فليفعل، وإذا لم يكن ذلك فليطرحه ويسكت عنه، لا أنه يتخذ وسيلة لتكفير طائفة كبيرة من المسلمين.
والآن لما لم يوجد تفسير الصافي عندنا في المجلس حتى تراجع سند الخبر وندقق فيه النظر، ولربما شرحه المؤلف بشكل مقبول.
إذ لو عرف المسلم إمام زمانه فقد توصل عن طريقه إلى معرفة ربه كالخبر المشهور: من عرف نفسه فقد عرف ربه عز وجل.
أو نقول في تقريب الخبر إلى أذهان الحاضرين: إننا لو تصورنا أستاذا تخرج على يده جمع من العلماء، في مراتب مختلفة ممن العلم، فإذا أراد أحد أن يعرف مدى عظمة ذلك الأستاذ، يجب عليه أن ينظر إلى أعظم تلامذته وأعلاهم مرتبة حتى يصل من خلاله إلى حقيقة الأستاذ وعظمته العلمية.
كذلك في ما نحن فيه: فإن آيات الله كثيرة، بل كل شيء هو آية الله تعالى، إلا أن النبي (ص) هو الآية العظمى والحجة الكبرى، ومن بعده عترته الأبرار الأئمة الأطهار (ع)، فإنهم محال معرفة الله.
وقد ورد عنهم: بنا عرف الله، وبنا عبد الله، أي: بسببنا وبواسطتنا عرف الله، وبعدما عرفوه عبدوه.
فهم الطريق إلى الله، والأدلاء على الله، ومن تمسك بغيرهم فقد ضل ومن يهتد، ولذا جاء في الحديث المتفق عليه بين الفرقين، والخبر المقبول الصحيح عند الجميع، أن رسول الله (ص) قال: " أيها الناس! إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، وهم لن يفترقا حتى يردا علي الحوض " (15).
الحافظ: لا ينحصر الدليل على كفركم وشكركم في هذه الرواية حتى تؤولها وتخلص منها، بل في كل الأدعية الواردة في كتبكم نجد أثر الكفر والشرك، من قبيل: طلب حاجاتكم من أئمتكم من غير أن تتوجهوا إلى الله رب العالمين، وهذا أكبر دليل على الكفر والشرك!!