ألم ترد روايات في صلاة الهدية للوالدين وغيرهما من المؤمنين (ع) قربة إلى الله تعالى هل هذا شرك؟!
فقد جرت العادة عند الناس وكذلك المؤمنين، أن كل من يذهب لزيارة أحبابه يأخذ معه هدية، ونجد في أكثر كتب الأخبار والأحاديث فضلا في استحباب وثواب هدية المؤمن لأخيه المؤمن وقبولها منه.
والزائر لما يصل إلى قبر من يحبه ويعلم أن الصلاة أحب شيء إلى مزوره، فيصلي ركعتين قربة إلى الله تعالى ويهدي ثوابها إلى المزور.
والمعترضون لو كانوا يواصلون مطالعتهم و يقرءوا الدعاء بعد صلاة الزيارة لعرفوا خطأهم وتيقنوا أن عمل الشيعة عند الزيارة ليس بشرك، بل هو التوحيد وكمال العبادة لله عز وجل.
واعلموا أن الشيعة إنما يزورون الإمام علي والأئمة من ولده (ع) ، لأنهم عباد الله الصالحون وأوصياء رسوله الصادقون.
وأما عبارة الرواية فهي كما يلي، على خلاف ما قاله الشيخ عبد السلام: " بأن يقف بجانب القبر يصلي " بل العبارة:
" أن يقف مستقبل القبلة مما يلي رأس الإمام (ع) " فيصبح القبر على يسار المصلي، فيقول: اللهم إني صليت هاتين الركعتين هدية مني إلى سيدي ومولاي ، وليك وأخي رسولك، أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وعلى آله، اللهم فصل على محمد وآل محمد وتقبلها مني واجزني على ذلك جزاء المحسنين، اللهم لك صليت ولك ركعت ولك سجدت، وحدك لا شريك لك، لأنه لا تجوز الصلاة والركوع والسجود إلا لك، لأنك أنت الله لا إله إلا أنت.
بالله عليكم أيها الحاضرون! أنصفوا، أي عمل من هذه الأعمال يستوجب الشرك بالله تعالى؟!
الشيخ عبدالسلام: عجبا ألا تجد هذه العبارة تقول: ثم قبل العتبة وادخل الحرم.
ألم يكن هذا العمل سجودا لصاحب القبر؟!
والسجود لغير الله شرك.
" تقبيل قبور الأئمة (ع) وعتبة روضاتهم المقدسة "
قلت: إن جنابك تغالط في البحث، إذ تفسر تقبيل العتبة بالسجود ، ثم تحمل ذلك الشرك بالله سبحانه!! وإذا كنتم في حضورنا تفسرون كلامنا هكذا، فلابد في غيابنا وخاصة أمام أتباعكم من العوام والجاهلين، تثبتون كفرنا!!
وأما الجواب: فإن الوارد في هذا الكتاب وغيره من كتب الزيارات يقول: إن الزائر تأدبا يقبل العتبة... ليت شعري بأي دليل تفسرون القبلة بالسجود ؟!
وأين ورد نهي عن تقبيل قبور الأنبياء وأوصيائهم وغيرهم من أولياء الله الصالحين، وتقبيل أعتابهم المقدسة؟! في القرآن الكريم؟! أم في الحديث الشريف؟!
ثم بأي دليل تعدون هذا العمل شركا بالله العظيم؟!
والعجيب أن عوامكم يصنعون بقبر أبي حنيفة والشيخ عبد القادر أكثر مما تصنعه الشيعة بقبور أئمة أهل البيت (ع).
وإني أشهد الله العلي العظيم فقد ذهبت يوما إلى قبر أبي حنيفة في بغداد، في محلة الأعظمية، فرأيت جماعة من أهل السنة الهنود، سقطوا على الأرض كالساجدين وقبلوا التراب!!
وحيث إني لم أنظر إليهم بعين الحقد والعداء، ولم يكن عندي دليل على أن عملهم كفر وشرك، لم أنقل هذا الموضوع في أي مجلس، ولم أنتقد عملهم، بل تلقيته أمرا عاديا.
لأني أعلم أنهم ما وقعوا على الأرض بنية السجود لصاحب القبر، وهذا أمر بديهي.
فاعلم يا شيخ! وليعلم الحاضرون! إن أي زائر شيعي عالم أو جاهل حاشا أن يسجد لغير الله تعالى، وإن كلامكم على الشيعة: بأنهم يسجدون لأئمتهم، كذب وافتراء علينا!!
وعلى فرض أن الزائر يجعل جبهته على التراب أمام القبر، ولكن لما لم يقصد السجود لصاحب القبر وإنما يريد بذلك احترامه وإظهار محبته له، لم يكن فيه بأس وإشكال.
الشيخ عبدالسلام: كيف يعقل أن يهوي إنسان إلى الأرض ويجعل جبهته على التراب ومع ذلك لا يكون عمله سجودا؟!
قلت: لأن الأعمال بالنيات، فإذا فعل أحد ذلك ولم ينوي السجود فلا نحسب عمله سجودا(49) كما فعل إخوان يوسف الصديق له، ولم يمنعهم يوسف ولا أبوهم يعقوب من ذلك، والله سبحانه يخبر بعملهم ويحكيه ولا يقبحه، فيقول: (ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقّا)(50).
وكم من موضع من الذكر الحكيم يخبر الله عز وجل فيه عن سجود الملائكة لآدم بأمر منه سبحانه.
فحسب كلامكم، فإن إخوة يوسف الصديق والملائكة كلهم مشركون، إلا إبليس لأنه لم يسجد!! والحال لم يكن كذلك، وإنما جعل الله سبحانه اللعن على إبليس وأخرجه من الجنة.
وأما جوابي لجناب الحافظ، وإن كان الوقت لا يتسع له، ولكن أبينه باختصار:
بقاء الروح بعد الموت
إن شبهتكم حول الشيعة بأنهم لماذا يطلبون حوائجهم عند قبور الأموات؟!
إنما هو كلام الماديين والطبيعيين، فإنهم لا يعتقدون بالحياة بعد الموت، والله سبحانه يحكي قولهم في القرآن إذ قالوا: (إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين)(51).
وأما الاعتقاد بالحياة بعد الموت، وأن الجسم يبلي بالموت ولكن الروح باقية، فهو من ضروريات دين الإسلام، وبالأخص حياة الشهداء، فقد صرح بها القرآن الكريم بقوله: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله..)(52) إلى آخره...
فهل يمكن للميت الفرح والسرور والارتزاق؟! لا!
ولذلك فإن الآية الكريمة تصرح بأنهم: (أحياء عند ربهم يرزقون) فكما أنهم يفرحون ويرزقون، فهم يسمعون الكلام ويجيبون، ولكن حجاب المادة على مسامعنا مانع من إحساسنا بكلامهم واستماع جوابهم.
وقد ورد عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام في زيارة جده سيد الشهداء الحسين عليه السلام قوله: يا أبا عبدالله أشهد أنك تشهد مقامي وتسمع كلامي وأنك حي عند ربك ترزق، فأسأل ربك وربي في قضاء حوائجي.
وجاء في الخطبة 86 من نهج البلاغة عن الإمام علي عليه السلام إذ يعرّف فيها أهل البيت عليهم السلام ويصفهم، فيقول:
أيها الناس! خذوها من خاتم النبيين: إنه يموت من مات منا وليس بميت، ويبلى من بلى منا وليس ببال.
قال ابن أبي الحديد والميثمي والشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية، قالوا في شرح هذه الكلمات ما ملخصه:
" إن أهل بيت النبي (ص) لم يكونوا في الحقيقة أمواتا كسائر الناس " (53) فنقف عند قبور أهل البيت عليهم السلام والعترة الهادية، ولا نحسبهم أمواتا بل هم أحياء عند ربهم، ونحن نتكلم معهم كما تتكلمون أنتم مع من حولكم من الأحياء، فنحن لا نعبد الأموات كما تزعمون وتفترون علينا، بل نعبد الله سبحانه الذي يحفظ أجساد الصالحين من البلى، ويبقي أرواح العالمين بعد ارتحالهم من الدنيا (54).
وأنتم ألا تحسبون عليا عليه السلام، وابنه الحسين والذين استشهدوا بين يديه، وكذلك أصحاب النبي (ص) الذين قتلوا في بدر وحنين وغيرهما من غزواته، شهداء؟!
وهل إنكم لا تعتقدون أن هؤلاء الصفوة ضحوا بأنفسهم في سبيل الله وثاروا على ظلم بني أمية وكفر يزيد، وأنهم أنقذوا الدين الحنيف من براثن آل أبي سفيان، ورووا بدمائهم شجرة التوحيد والنبوة؟؟
فكما إن أصحاب رسول الله (ص) خاضوا المعارك وجاهدوا في سبيل الله وقاتلوا أعداء الدين وكافحوا معارضي النبوة ومخالفي الرسالة لنشر الإسلام وإعلاء كلمة الحق، كذلك الإمام علي عليه السلام وابنه الحسين وأصحابهما فقد جاهدوا في سبيل الله تعالى لإبقاء دينه وإنقاذ الإسلام حتى قتلوا واستشهدوا في سبيل الله.
وكل من عنده أدنى اطلاع عن تاريخ الإسلام بعد النبي (ص) يعلم بأن آل أبي سفيان وخاصة يزيد بن معاوية وأعوانه كادوا يقضون على الإسلام ويحرفوه عن مواضعه الإلهية بأعمالهم الإلحادية، وإن خطر هؤلاء المنافقين كان أشد على الإسلام والمسلمين من الكفار والمشركين.
والتاريخ يشهد أن لولا نهضة الإمام الحسين سبط رسول الله (ص) وجهاد أصحابه الكرام مستميتين، لتمكن يزيد بن معاوية أن يحقق هدف سلفه المنافقين الفجرة، وهو تشويه الإسلام وتغييره على الكفر والجاهلية الأولى.
فالحسين السبط وأنصاره وأصحابه الكرام عليهم السلام وإن سالت دماؤهم واستشهدوا، إلا أنهم فضحوا يزيد وحزبه وسلفه الفاسقين، وكشفوا عنهم الستار وعرفوهم للمسلمين.
دفاع الشيخ عبد السلام عن معاوية ويزيد
الشيخ: إني أتعجب منك إذ تصرح بكفر يزيد وهو خليفة المسلمين المنصوب من قبل معاوية، وهو خال المؤمنين وخليفتهم، وقد جعله عمر الفاروق والخليفة المظلوم عثمان واليا على بلاد الشام في طيلة أيام خلافتهما.
ولما رأى المسلمون أهليته وكفاءته للحكم بايعوه للخلافة، وهو جعل ابنه يزيد ولي العهد ليكون خليفته من بعده، ورضي به المسلمون فبايعوه بالخلافة!
فأنت حينما تعلن كفر يزيد وسلفه، فقد أهنت جميع المسلمين الذين بايعوه بالخلافة، وأهنت خال المؤمنين، بل أهنت الخليفتين الراشدين اللذين عينا معاوية واليا وممثلا عنهما في بلاد الشام!!
ولا نجد في التاريخ عملا ارتكبه يزيد فيكون سبب كفره وارتداده، فهو كان مؤمنا مصليا وعاملا بالإسلام، إلا أن عامله على العراق، قتل سبط النبي وريحانته وسبي حريمه وعياله وأرسلهم إلى يزيد في الشام!! فلما وصلوا إلى مجلس يزيد حزن واعتذر من أهل البيت واستغفر الله من أعمال الظالمين.
وإن الإمام الغزالي والدميري أثبتا براءة الخليفة يزيد من دم الحسين بن علي وأصحابه، فما تقولون؟!
ولو فرضنا أن وقائع عاشوراء الأليمة وفجائع كربلاء كانت بأمر من يزيد بن معاوية، فإنه تاب بعد ذلك واستغفر الله سبحانه، والله غفور رحيم!!
ردنا على كلام الشيخ
قلت: ما كنت أظن أن التعصب يبلغ بك إلى حد الدفاع عن يزيد العنيد!
وأما قولك: إن الخليفتين نصبا معاوية واليا وهو عين ولده يزيد خليفة على المسلمين فتجب طاعته عليهم! فهو كلام مردود عند العقلاء ولا سيما في هذا العصر عصر الديمقراطية.
ثم إن هذا الكلام لا يبرر موقف معاوية وعمل يزيد، بل هو يؤيد كلامنا ويدل على صحة معتقدنا بأنه يلزم أن يكون الخليفة معصوما ومنصوبا من عند الله سبحانه، حتى لا تبتلى الأمة برجل كيزيد ونظرائه.
وأما قولك: إن الإمام الغزالي أو الدميري وأمثالهما دافعوا عن يزيد وبرأوا ساحته عن فضائح الأعمال الشنيعة والجرائم القبيحة، لا سيما قتل سبط رسول الله (ص) وسيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين عليه السلام!
فأقول: أولئك أيضا أعمتهم العصبية مثلكم، وقد قيل: إن حب الشيء يعمي ويصم، وإلا فأي إنسان منصف، وأي عاقل عادل يبرئ ذمة يزيد العنيد من دم السبط الشهيد وأصحابه الأماجد؟!
وأي عالم متدين ملتزم بالحق تسوغ نفسه ويسمح له دينه وعلمه أن يدافع عن مثل يزيد العنيد؟!
وأما قولك: إن قتل الحسين ريحانة رسول الله (ص) ما كان بأمره، وأنه اعتذر من أهل البيت وتاب واستغفر عن فعل عامله، فلو كان كذلك فلماذا لم يحاكم ابن زياد ولم يعاقب قتلة الحسين عليه السلام؟!
ولماذا لم يعزل أولئك المجرمين عن مناصبهم وهم شرطته وجلاوزته وأعوان حكومته؟!
ثم من أين تقولون إنه تاب واستغفر؟! وكيف تجزمون وتحتمون بأن الله سبحانه وتعالى قبل توبته وغفر له؟!
صحيح، إن الله عز وجل غفور رحيم، ولكن للتوبة شروط:
أولها: رد حقوق الناس، فهل رد يزيد حقوق أهل البيت والعترة الطاهرة.
ثم إن فضائح يزيد وقبائحه لم تنحصر في قتل السبط الشهيد وسبي نسائه ونهب أمواله وحرق خيامه.. إلى آخره، بل إنكاره ضروريات الدين، ومخالفته القرآن الكريم، وتظاهره بالفسق والمعاصي، كل واحد منها دليل على كفره وإلحاده.
النواب: أرجوك أن تبين لنا دلائلكم على كفر يزيد حتى نعرف الحقيقة ونتبع الحق.
دلائل كفر يزيد العنيد
قلت: من الدلائل الواضحة على كفر يزيد بن معاوية مخالفته لحكم الله سبحانه في حرمة شرب الخمر، فإنه كان يشرب ويتفاخر بذلك في أشعاره فقد قال وثبت في ديوانه المطبوع:
شميسة كرم برجها قعر دنّهــا | فمشرقها الساقي ومغربهـا فمـي |
فإن حرمت يوما على دين أحمد | فخذها على دين المسيح بن مريم |
أقول لصحب صمّت الكاس شملهم | وداعي صبابات الهوى يترنّم |
خــذوا بنصـيـب مـن نعيم ولذة | فكل وإن طال الـمدى يتصرم |
عليـة هـاتي ناولي وترنمي | حديثك إني لا أحب التناجيا |
فإن الذي حدثت عن يوم بعثنا | أحاديث زور تترك القلب ساهيا |
يا معشر الندمان قوموا | واسمعوا صوت الأغاني |
واشربوا كـأس مـدام | واتركوا ذكر الـمـعاني |
شغلتني نغمة العيـدان | عــن صـوت الأذان |
وتعوضت عن الحـور | عـجوزا في الـدنـان |
فقد ذكر سبط ابن الجوزي في كتابه ـ التذكرة: ص148 ـ قال: لما جاءوا بأهل البيت إلى الشام سبايا، كان يزيد جالسا في قصره، مشرفا على محلة جيرون ، فأنشد قائلا:
لما بدت تلك الرؤوس وأشرقـت | تلك الشموس على ربى جيرون |
نعب الغراب قلت: نح أو لا تنح | فلقد قضيت مـن النـبي ديونـي |
فقد ذكر المؤرخون كلهم أن يزيد احتفل بقتل الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام ودعا إلى ذلك المجلس كبار اليهود والنصارى، وجعل رأس السبط الشهيد سيد شباب أهل الجنة أمامه، وانشد أشعار ابن الزبعرى:
ليت أشياخي ببدر شهدوا | جزع الخزرج من وقع الأسل |
لأهلوا واستهلوا فرحا | ثم قالوا يا يزيد لا تشل |
قد قتلنا القرم من ساداتهم | وعدلناه ببدر فاعتدل |
لعبت هــاشم بالملك فلا | خبر جاء ولا وحي نزل |
لست من خندف إن لم أنتقم | من بني أحمد ما كان فعل |
قد أخذنا من علي ثارنا | وقتلنا الفارس الليث البطل |
وقد كتب بعض علمائكم مثل: أبي الفرج ابن الجوزي، والشيخ عبد الله بن محمد بن عامر الشبراوي في كتاب الاتحاف بحب الأشراف: ص 18، والخطيب الخوارزمي في الجزء الثاني من كتابه " مقتل الحسين ".
صرحوا: إن يزيد لعنه الله كان يضرب ثنايا أبي عبدالله الحسين بمقصرته ويترنم بهذه الأبيات التي نقلناها.
جواز لعن يزيد
إن أكثر علمائكم قالوا بكفر يزيد، منهم: الإمام أحمد بن حنبل ، وكثير من علمائكم جوزوا لعنه، منهم: ابن الجوزي الذي صنف كتابا في الموضوع وسماه: " الرد المتعصب العنيد المانع عن لعن يزيد لعنه الله " ولنعم ما قال أبو العلاء المعري:
أرى الأيام تفعل كل نكـر | فما أنا في العجائب مستزيد |
أليس قريشكم قتلت حسينا | وكان على خلافتكم يزيـد!! |
ولكن أكثر علمائكم كتبوا عن جنايات يزيد وعدوه كفرا، وساعيا في محو الإسلام وإطفاء نور الله عز وجل، وذكروا له أعمالا منافية للتعاليم الإسلامية والأحكام الإلهية.
فقد نقل الدميري في كتابه " حياة الحيوان " والمسعودي في " مروج الذهب " وغيرهما، ذكروا: إن يزيد كان يملك قرودا كثيرة وكان يحبها فيلبسها الحرير والذهب ويركبه الخيل، وكذلك كانت له كلاب كثيرة يقلدها بقلائد من ذهب، وكان يغسلها بيده ويسقيها الماء بأواني من ذهب ثم يشرب سؤرها، وكان مدمنا على الخمر!!
وقال المسعودي في مروج الذهب ج2: إن سيرة يزيد كانت مثل سيرة فرعون، بل كان فرعون أقل ظلما من يزيد في الرعية، وإن حكومة يزيد صارت عارا كبيرا على الإسلام، لأنه ارتكب أعمالا شنيعة كشرب الخمر في العلن، وقتل السبط رسول الله (ص) وسيد شباب أهل الجنة، ولعن وصي خاتم النبيين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وقذف الكعبة بالحجارة وهدمها وحرقها، وإباحته مدينة رسول الله (ص) في وقعة الحَرَّة، وارتكب من الجنيات والمنكرات والفسق والفجور ما لا يعد ويحصى وكل ذلك ينبئ عن أنه غير مغفور له.
النواب: ما هي وقعة الحَرَّة، وما معنى إباحة المدينة المنورة بأمر يزيد؟؟!
قلت: ذكر المؤرخون كلهم من غير استثناء، منهم: سبط ابن الجوزي في التذكرة: 63، قال: إن جماعة من أهل المدينة في سنة 62 هجرية دخلوا الشام وشاهدوا جرائم يزيد وأعماله القبيحة وعرفوا كفره وإلحاده، فرجعوا إلى المدينة المنورة وأخبروها أهلها بكل ما رأوا، وشهدوا على كفر يزيد وارتداده، فتكلم عبد الله بن حنظلة ـ غسيل الملائكة ـ وكان معهم فقال:
أيها الناس! قد قدمنا من الشام من عند يزيد، وهو رجل لا دين له، ينكح الأمهات والبنات والأخوات!! ويشرب الخمر، ويدع الصلاة، ويقتل أولاد النبيين!!
فنقض الناس بيعتهم ولعنوا يزيد وأخرجوا عامله من المدينة وهو: عثمان بن محمد بن أبي سفيان.
فلما وصل الخبر إلى يزيد في الشام بعث مسلم بن عقبة على رأس جيش كبير إلى الشام، وأمرهم أن يدخلوا المدينة المنورة ويقتلوا فيها من شاؤا ويفعلوا كل ما أرادوا ثلاثة أيام.
ذكر ابن الجوزي والمسعودي وغيرهما: إنهم لما هجموا على مدينة الرسول (ص) قتلوا كل من وجدوه فيها حتى سالت الدماء في الأزقة والطرق، وخاض الناس في الدماء حتى وصلت الدماء قبر النبي الأكرم (ص)، وامتلأت الروضة المقدسة والمسجد بالدم، وسميت تلك الوقعة بالحَرَّة، وكان ضحيتها عشرة آلاف من عامة المسلمين وسبعمائة قتيل من وجوه أهل المدينة وأشراف المهاجرين والأنصار!!
وأما الأعراض التي هتكت والنواميس التي سلبت، فإني أخجل أن أذكرها، فقد ارتكبوا فضائح وقبائح يندي منها جبين الإنسانية، ولكي تعرفوا شيئا قليلا، من تلك الفجائع والشنائع، أنقل لكم جملة واحدة من تذكرة سبط ابن الجوزي: ص 163، فإنه روى عن أبي الحسن المدائني أنه قال: ولدت ألف امرأة بعد وقعت الحَرَّة من غير زوج!!
نعم، هذه نبذة من جرائم يزيد العنيد، وعلى هذه فقس ما سواها.
الشيخ عبد السلام: كل ما ذكرته من أعمال يزيد إنما يدل على فسقه ولا يدل على كفره، والفسق عمل خلاف، يغفره الله سبحانه ويعفو عن عامله إذا تاب واستغفر، وإن يزيد تاب عن هذه الأعمال حتما، واستغفر به قطعا، والله تعالى غفار تواب، وقد غفر له كما يغفر لكل فاسق وعاص إذا تاب واستغفر، فلماذا أنتم تلعنون يزيد؟!
قلت: إن بعض المحامين من أجل المال يدافعون عن موكليهم إلى آخر فرصة حتى عندما يظهر بطلان كلامهم وإجرام موكلهم! ولا أدري ما الذي تناله يا شيخ بهذا الدفاع المرير عن يزيد اللعين الشرير؟! فتكرر كلامك الواهي من غير دليل وتقول : إن يزيد تاب واستغفر، وإن الله سبحانه غفر له!
هل جئت من عند الباري عز وجل فتخبر بأنه غفر ليزيد المجرم العنيد؟!
من أين تقول إنه تاب؟! ليس لك دليل إلا ظنك، و(إن الظن لا يغني من الحق شيئا)(55).
وإن جرائم يزيد المفجعة وأعماله الشنيعة مسطورة في التاريخ ولا يجحدها إلا المعاند المتعصب.
هل في نظركم أن إنكار المبدأ والمعاد والوحي والرسالة لا يوجب الكفر؟!
وهل في نظركم انه لا يجوز لعن الظالمين والكافرين؟!
أم هل في نظركم أن يزيد ما كان كافرا ولا ظالما؟!
ولكي تعرف ويعرف الحاضرون حقيقة الأمر، أسمعكم خبرين من صحاحكم:
1ـ ذكر البخاري ومسلم في الصحيح، والعلامة السمهودي في وفاء الوفا وابن الجوزي في " الرد المتعصب العنيد " وسبط ابن الجوزي في " تذكرة الخواص " والإمام أحمد بن حنبل في مسنده وغيرهم، رووا عن النبي (ص) أنه قال: من أخاف أهل المدينة ظلما أخافه الله، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ولا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا.
2ـ وقال (ص) لعن الله من أخاف مدينتي، أي: أهل مدينتي فهل فاجعة الحرة، وسفك تلك الدماء، وقتل المسلمين الأبرياء والتعدي على أعراضهم، وهتك حرماتهم، واغتصاب بناتهم ونسائهم، ونهب أموالهم، ما أخافت أهل المدينة؟!
فعلى هذا فإن أكثر علمائكم يلعنون يزيد، وقد كتبوا رسائل وكتبا في جواز لعنه، منهم: العلامة عبدالله بن محمد بن عامر الشبراوي، فقد ذكر في كتابه الإتحاف بحب الاشراف ص20، قال: لما ذكر يزيد عند الملا سعد الدين التفتازاني قال: لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه.
وذكروا أن العلامة السمهودي قال في كتابه (جواهر العقدين): انه اتفق على جواز لعن من قتل الحسين (رضي الله عنه) أو أمر بقتله، أو أجازه، أو رضي به من غير تعيين.
وأثبت ابن الجوزي، وكذلك أبو يعلى والصالح بن أحمد بن حنبل، كلهم أثبتوا لعن يزيد بدليل آيات من القرآن الكريم وأحاديث نبوية شريفة.
ولا يسمح لي الوقت لأن أذكر أكثر مما ذكرت، وفيه كفاية لمن أراد الهداية والابتعاد عن الغواية.
فالإمام الحسين بن علي عليه السلام حقه كثير وفضله كبير على الإسلام والإنسانية، فقد جاهد وكافح مثل هذا الظالم الفاجر، وفضحه في العالم، وأنقذ الدين من براثن كفر يزيد وحزبه الظالمين الفاسقين المنافقين.
وإني أتأسف لما يصدر منكم، فبدلا من أن تقدروا هذا الجهاد العظيم للحسين السبط، وتقدروا تضحياته القيمة وتفانيه في سبيل الله سبحانه، فتؤبنوه في كل عام وتحيوا يوم عاشوراء بتشكيل المجالس والمحافل، وتقرءوا على المسلمين تاريخه المبارك، وتلقوا على الناس خطبه وكلماته التي يبين فيها أسباب نهضته المقدسة وأهدافه السامية، ويفضح فيها يزيد وبني أمية وحزبهم.
وبدل أن تذهبوا لزيارة مرقده الشريف وتقفوا أمامه وقفة إجلال وإكرام واحترام، فتستلهموا منه الإيمان واليقين، وتتعلموا منه التضحية والتفاني في سبيل الدين.
بدل كل ذلك، تعارضون الملايين من شيعته ومحبيه الذين يؤدون له الاحترام ويقدرون نهضته المباركة وجهاده العظيم، وينظرون إليه نظرة إكبار وإجلال، ويبكون ويحزنون لما أصابه من أعدائه الظالمين، ويزورون مرقده المقدس بلهفة وخشوع.
وإنكم ترمونهم بالكفر والشرك، وتعبرون عن زيارة تلك المراقد المشرفة بعبادة الأموات!!
رمز قبر الجندي المجهول
جرت العادة في أكثر بلاد العالم وخاصة البلاد المتقدمة الأوربية والدول الحضارية، أنهم يشيدون مبنى على شكل قبر رمزي باسم: الجندي المجهول، ويصرفون أموالا باهظة في إنشائه، ويعينون مديرا مسؤولا وبإمرته موظفين لإدارته والمحافظة عليه.
فيأخذون ضيوف الدولة وهم شخصيات البلدان الأخرى كرؤساء الجمهوريات ورؤساء الدول والوزراء والممثلين عنهم، إلى ذلك القبر الوهمي، فيقفون وقفة خشوع واحترام، ويؤدون المراسيم التي تنبئ عن تجليل وتعظيم ذلك المكان الذي ليس هو إلا قبر رمزي قام ببنائه وشيدت أركانه لإحياء اسم الجندي الذي دافع عن وطنه وضحى نفسه في سبيل حرية شعبه وبلاده.
ولم يكن في العالم، ولا يوجد هناك عاقل يعارض هذا العمل وينهى عنه. بل كاد أن يكون من المراسيم الواجبة عند الحكومات والدول المتقدمة.
ولكن نجدكم تعارضون الشيعة وتنكرون عملهم حينما يقفون أمام قبور شهداء الإسلام وخاصة شهداء العترة الهادية وهم جنود لله سبحانه، المعلومون المعروفون في السماوات والأرضين.
وتنتقدون الشيعة لوقوفهم أمام تلك القبور التي لم تكن وهمية وخالية أو خيالية، بل هي مراقد أطهار ومراكز أنوار، تتضمن أشخاص كان لهم الأثر العظيم في بناء حضارة البشر وإنسانية الإنسان، تتضمن أجسادا تشع منها أنوار العلم والفضيلة، وأنوار الإيمان والإحسان، وتذكر زائريها بالمثل العليا وتلهمها الصبر والجهاد وصفات الأمجاد، وكل خصال الخير والأخلاق الحميدة.
فالشيعي يقف أمام تلك القبور المقدسة والمراقد الطاهرة ويخاطب أصحابها الذين تحسبونهم أمواتا، والله يقول: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون)(56).
لذلك يخاطبهم الشيعي فيقول:
" أنا سلم لمن سالمكم، وحرب لمن حاربكم، وولي لمن والاكم، وعدو لمن عاداكم " وهو يعلن بهذه العبارات الرائعة أنه سائر على خط الجهاد في سبيل الله تعالى ونيل الشهادة من أجل الدين والعقيدة.. وأنتم تنتقدون الشيعة وتنكرون عليهم زيارة تلك القبور المقدسة!!
وطائفة أخرى ـ> وطائفة أخرى ـ وهم الوهابيون ـ يهدمون تلك المراقد المباركة، ويخربون تلك القباب الطاهرة، ويهتكون حرمتها، ويقتلون زوارها، كما حدث في سنة 1216 هجرية في الثامن عشر من شهر ذي الحجة في يوم الغدير، وكان أهالي كربلاء أكثرهم قد ذهبوا إلى زيارة مرقد الإمام علي بن أبي طالب (ع) في النجف الأشرف، وبقيت النساء والأطفال والعجزة والمرضى في المدينة، فاغتنم الوهابيون هذه الفرصة وهجموا من الحجاز على كربلاء المقدسة، وهدموا قبر أبي عبد الله الحسين (ع) وقبور الشهداء من صحبه الكرام، ونهبوا خزانة الحرم الشريف التي كانت تحتوي على ثروة عظيمة لا تثمن من هدايا الملوك وغيرهم.
وقد أبدوا وحشية وضراوة لا نظير لها، فما رحموا حتى النساء والأطفال والشيوخ والمرضى، فقتلوا خلقا كثيرا حتى بلغ عددهم أكثر من خمسة آلاف، وأسروا جمعا آخر وساقوهم معهم فباعوهم في الأسواق!!
وهكذا صنعوا ما صنعوا وارتكبوا ما ارتكبوا باسم الدين المبين وشريعة سيد المرسلين وهو منهم برئ، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
هدم قبور أهل البيت (ع) في البقيع
إن الأمم المتمدنة في العالم تبني قبور شخصياتها من العلماء والقادة والملوك والزعماء وتحافظ عليها وتحترمها، وحتى القبور الوهمية والمراقد الرمزية باسم قبر الجندي المجهول.
ولكن مع الأسف الشديد، إن فرقة من الذين يدعون أنهم مسلمون، ويزعمون أن مخالفيهم في عقائدهم الشاذة التي ما أنزل الله بها من سلطان، مشركون، وهي الفرقة الوهابية، هجموا بكل وحشية، بالأسلحة الفتاكة، الجارحة والنارية، على مراقد أئمة أهل البيت النبوي (ع) ومنتسبيهم في البقيع بالمدينة المنورة وهدموا قبابهم المقدسة، وساووا قبورهم ومراقدهم الطاهرة بالأرض، وسحقوها سحقا، وذلك في اليوم الثامن من شوال سنة 1324 هجرية.
فكأنهم أسفوا على عدم وجودهم مع أسلافهم الذين رشقوا جنازة الحسن المجتبى السبط الأكبر للنبي المصطفى بالسهام والنبال،أو مع أسلافهم الذين سحقوا جسد الحسين الشهيد سبط الرسول وقرة عين الزهراء البتول وأجساد أهله وأنصاره المستشهدين معه بخيولهم.
ولكن إذا لم يدركوا ذلك الزمان ولم ينالوا من أجساد آل النبي الكرام، فقد نالوا من قبورهم وسحقوا مراقدهم المقدسة!
فتلك قبور أبناء رسول الله وعترته الطاهرة في البقيع، وقبور شهداء أحد وسيدهم حمزة سيد الشهداء (ع) في أحد، وقبور غيرهم من الصحابة الكرام، مهدومة مهجورة، ليس هناك سقف يستظل به الزائرون، ولا مصباح وسراج يستضيء بنوره الوافدون، بمرأى من المسلمين، وهم أحق من غيرهم بحفظ تلك المعالم الفاخرة والمراقد الطاهرة، فقد قال النبي (ص): حرمة المسلم ميتا كحرمته حيا. وكم عندنا وعندكم من الأخبار الصحيحة المروية في فضل زيارة قبور المؤمنين، وأن رسول الله (ص) يذهب إلى البقيع ويستغفر للأموات ولنعم ما قيل:
لمن القبور الدارسات بطيبة | عفت لها أهل الشقا آثارا |
قل للذي أفتى بهدم قبورهم | أن سوف تصلى في القيامة نارا |
أعلمت أي مراقد هدمتها؟! | هي للملائك لا تزال مزارا |
الحافظ: إنكم تغالون في حق أئمتكم، ما الفرق بينهم وبين سائر أئمة المسلمين؟! إلا أنهم يمتازون بانتسابهم إلى النبي الأكرم (ص)، وليس لهم أي فضل آخر على غيرهم!
قلت: هذا مقال من يجهل قدرهم ولا يعرف شأنهم ومقامهم! ولو تركتم التعصب والعناد، ودرستم حياتهم وسيرتهم دراسة تحقيق وإمعان، لعرفتم كيف هم أفضل من أئمتكم، ولأقررتم أن أئمتنا هم وحدهم يمثلون جدهم رسول الله (ص) في علمه وحلمه وصفاته وأخلاقه وسيرته وسلوكه.
وبما أن الوقت لا يتسع لخوض هذا البحث أختم حديثي وأدع هذا المبحث الهام إلى مجلس آخر إنشاء الله تعالى.
فوافق الحاضرون كلهم وتركوا المجلس مودعين، فخرجت إلى الباب لتوديعهم أيضا.