فإذا لم يكونوا متآمرين في سبيل نيل الخلافة، وما كانوا طامعين فيها، لكان على اثنين منهم أن يبقيا في السقيفة ويناقشا الأنصار ويهدئا الوضع، ويخرج الثالث إلى الصحابة وبني هاشم الذين كانوا في بيت النبي (ص) فيخبرهم باجتماع السقيفة، فكانوا سيشاركونهم فيها ويبدون رأيهم، ولحل الوفاق محل الاختلاف.

وصدقوني أيها الأخوة، إن كل ما نجده اليوم من افتراق المسلمين واختلافهم الذي انتهى إلى ضعفهم وكسر شوكتهم، وما حدثت من نزاعات داخلية بين المسلمين، والحروب الدامية والوقائع المخزية التي نشبت بينهم في الماضي والحاضر، كلها حصيلة يوم السقيفة ومؤامرة أولئك النفر وتعجيلهم في تعيين الخليفة.

النواب: سيدنا الجليل! ما هو السبب في تعجيل القوم؟! وما الذي حداهم إلى عدم إخبار بني هاشم والصحابة الذين كانوا مجتمعين في بيت رسول الله (ص)؟!

قلت: نحن على يقين أنهم كانوا يعلمون، لو لم يعجلوا في تعيين أحدهم بالخلافة، ولو صبروا حتى يحضر بنو هاشم وكبار الصحابة فيشاورهم في تعيين خليفة النبي (ص) ويسمع الحاضرون احتجاجهم ما عدلوا عن علي بن أبي طالب (ع) كما أن بشير بن سعد الأنصاري، وهو أول من بايع أبا بكر من بايع أبا بكر من الأنصار، لما سمع كلام الإمام علي (ع) وهو يحتج على أبي بكر، قال: لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك يا علي قبل بيعتها لأبي بكر، ما اختلفت عليك!(35).

وحتى عمر بن الخطاب لم يكن موقنا بنجاح المؤامرة، وأن الخليفة الذي سينصبه هو(36) ويبادر إلى بيعته، سيصبح حاكما متمكنا، فلذلك كان يقول: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه(37).

رد الدليل الثالث

وأما دليلكم الثالث، وهو قول عمر بن الخطاب بأن النبوة والحكم لا تجتمعان في أهل بيت واحد، فبطلانه وزيفه واضح، بدليل قوله تعالى: (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما)(38).

فالكلام إن كان ينسب إلى عمر فهو دليل على عدم إحاطته بالآيات القرآنية ومفاهيمها!

وان كان عمر يرويه عن رسول الله (ص) فهو حديث مجعول، لأنه مخالف لكتاب الله الحكيم.

ثم نحن نعتقد بأن الخلافة تالية للنبوة ولازمة لها، فلا يطلق عليها اسم الحكومة والسلطنة، لأن سلطنة الخليفة لا تكون كسلطة الملوك وحكومتهم.

ثم إن خلافة النبوة عندنا كخلافة هارون لأخيه موسى بن عمران حيث قال سبحانه وتعالى في كتابه: (وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي واصلح)(39).

فإن يكن عندكم، أنه يحق للمسلأن ينفي خلافة هارون لموسى، فإنه يحق له أيضا عزل علي عليه السلام من خلافة خاتم النبيين (ص).

فكما إن النبوة والخلافة اجتمعتا في أهل بيت عمران والد موسى وهارون، كما ينص القرآن فيه، كذلك اجتمعتا للنبي (ص) وعلي عليه السلام في بيت عبد المطلب، بالنصوص الكثيرة، منها: حديث المنزلة، وقد ذكرنا مصادره وتكلمنا حوله في الليالي الماضية.

ثم إن عمر بن الخطاب لما جعل عليا عليه السلام أحد الستة الذين عينهم في شورى الخلافة من بعده، قد ناقض حديثه بعمله، وإضافة إلى تناقض عمر، تناقض اعتقادكم لهذا الحديث، إذ أنكم إن تعتقدون بصحة كلام عمر في هذا المجال، فكيف تعتقدون بخلافة علي عليه السلام في الدور الرابع؟!! وهذا تناقض بين(40).

الشيخ عبد السلام: إن الكلام والنقاش حول هذا الموضوع لا يزيد المسلمين إلا افتراقا، وابتعادا لذلك نقول: كيفما كان الأمر فنحن ما كنّا في ذلك اليوم، وما حضرنا السقيفة حتى نلمس الأمر ونتحسس الأحداث، فنجد أنفسنا اليوم أمام أمر واقع، وقد حصل عليه الإجماع تدريجيا، فلا يجوز لنا أن نخالفه، بل يجب على كل مسلم أن يخضع له ويستسلم للأمر الواقع.

قلت: أما نحن فنقول: لا يجوز لأحد من المسلمين أن يعتقد بشيء من غير دليل شرعي، ويجب على كل مسلم أن يتبع الحق لا أنه يستسلم للأمر الواقع، فكم من ضلال وباطل قائم في الدنيا، فهل يجوز لمسلم أن يتبعه ويتقبله، ثم يقول: إنه أمر واقع وليس لنا إلا أن نستسلم للأمر الواقع؟!

فالإسلام دين تحقيق لا دين تقليد.

قال سبحانه وتعالى: (فبشر عباد * الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه)(41).

فهل قول عمر أحسن أم قول رسول الله (ص)؟!

فهل يجوز لمسلم أن يترك هذه النصوص الجلية، والأحاديث النبوية المروية عن طرقكم، والمذكورة في كتبكم المعتبرة عندكم في شأن الإمام علي عليه السلام، وأن الحق بجانبه وهو مع الحق متلازمان لا يفترقان، ثم يتمسك بقول عمر بن الخطاب فيعتقد بخلافة أبي بكر، مع العلم بأن عليا عليه السلام أعلن بطلانها، وهو علم الهدى والكمال، والفاروق، بين الحق والضلال، فلذلك تبعه بنو هاشم وكثير من الصحابة، فأبوا أن يبايعوا لأبي بكر.

[ علا صوت المؤذن لصلاة العشاء فقطعنا الحديث، وبعد الفراغ من صلاة العشاء وبعد تناول الشاي ]..

افتتح الحافظ الكلام قائلا: لقد كررتم الكلام بأن عليا كرم الله وجهه وبني هاشم وكثير من الصحابة رضي الله عنهم، لم يرضوا بخلافة أبي بكر ولم يبايعوه، ونحن نرى التواريخ كلها اتفقت على أن سيدنا عليا وبني هاشم وجميع أصحاب رسول الله (ص) بايعوا أبا بكر.

قلت: نعم بايعوا.. ولكن كيف تمت البيعة؟!

أما قرأتم في كتب التاريخ والحديث أن عليا عليه السلام وبني هاشم وكثيرا من كبار الصحابة، ما بايعوا إلا بعد ستة اشهر بالتهديد والجبر، إذ جردوا السيف على رأس الإمام علي عليه السلام وهددوه بالقتل إن لم يبايع!

الحافظ: إني أعجب من جنابك، كيف تتفوه بهذا الكلام الذي ما هو إلا أساطير جهلة الشيعة والعوام، وقد أكد غير واحد من المؤرخين أن سيدنا عليا كرم الله وجهه بايع أبا بكر في خطبة خطبها من غير جبر وإكراه.

قلت: ولكن الخبر الذي اتفق عليه أعلامكم من أصحاب الصحاح والمؤرخين، وصرح به البخاري في صحيحه 3/37 باب غزوة خيبر، ومسلم بن الحجاج في صحي صحيحه 5/154 باب قول النبي (ص): لا نورث، مسلم بن قتيبة في الإمام ة والسياسة: 14، والمسعودي في مروج الذهب 1/414، وابن أعثم الكوفي في الفتوح، وابو نصر الحميدي في الجمع بين الصحيحين، أخرجوا: أن عليا وبني هاشم لم يبايعوا إلا بعد ستة أشهر.

وروى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 6/46 عن الصحيحين عن الزهري، عن عائشة...... فهجرته [ أبا بكر ] فاطمة ولم تكلمه في ذلك حتى ماتت، فدفنها عليا ليلا، ولم يؤذن بها أبا بكر، وفي الخبر: فمكثت فاطمة ستة أشهر ثم توفيت.

فقال رجل للزهري: فلم يبايعه علي ستة اشهر؟!

قال: ولا أحد من بني هاشم، حتى بايعه علي.

وذكر ابن قتيبة في الإمامة والسياسة، صفحة 13(42)، تحت عنوان " كيف كانت بيعة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه " قال: وإن أبا بكر (رض) تفقد قوما تخلفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه، فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم وهم في دار علي، فأبوا أن يخرجوا، فدعا بالحطب وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها!

فقيل له: يا أبا حفص! إن فيها فاطمة!

فقال: وإن....

وبعد عدة أسطر يقول: فدقوا الباب فلما سمعت أصواتهم، نادت بأعلى صوتها: يا أبت يا رسول الله! ما ذل لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة!

فلما سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين، وبقي عمر ومعه قوم فأخرجوا(43) عليا فمضوا به إلى أبي بكر، فقالوا له: بايع.

فقال: إن لم أبايع فمه؟!

قالوا: إذا والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك!

قال: إذن تقتلون عبد الله وأخا رسوله.

قال عمر: أما عبد الله فنعم، وأما أخو رسوله فلا.

وأبو بكر ساكت لا يتكلم، فقال له عمر: ألا تأمر فيه بأمرك؟!

فقال: لا أكرهه على شيء ما دامت فاطمة إلى جنبه.

فلحق علي بقبر رسول الله (ص) يصيح ويبكي وينادي (قال ابن أم إن القوم استضعفوني ثم كادوا يقتلونني)(44).

بعدما سمعت هذا الخبر، إعلم بأن كلامك كذب وزور وافتراء علينا ، لأنك تعلم بأن هذا الخبر ليست من أساطير جهلة الشيعة وعوامهم، بل مما نقله كثير من أعلامكم وعلمائكم في كتبهم المعتبرة لديكم.

واعلم أن مسؤوليتكم ـ أنتم العلماء ـ خطيرة تجاه الجهلة والعوام ، لأنهم يأخذون منكم وينقلون عنكم،وقد قيل: إذا فسد العالِم فسد العالَم.

الحافظ: مقصودنا من أساطير الشيعة، هي الأخبار الكاذبة التي وضعوها، مثل هجوم القوم على بيت فاطمة الزهراء، وحرق الباب، وضربها حتى سقط جنينها، وأن عليا أخرجوه من الدار قهرا، وأخذوا منه البيعة جبرا، وأمثال هذه الأخبار المجعولة التي تتناقلها الشيعة في مجالسها بلوعة وحنين وحرقة الواله الحزين.

قلت: إما أن معلوماتكم التاريخية ومطالعاتكم لهذه القضايا ضعيفة، وإما تعرفون وتحرفون!

ثم تبعا لأسلافكم، تتهمون الشيعة المظلومين بوضع الأخبار وجعل الحديث، وأتباعكم الغافلون يصدقونكم فيحسبون الشيعة كذلك، بينما هذه الأخبار التي تنكرها وتقول إنها أساطير الشيعة، كلها مذكورة في كتبكم، ومنقولة من طرقكم ورجالكم.

وسأنقل بعضها، حسب اقتضاء الوقت والمجلس، حتى يعرف الحاضرون المنصفون، صدق كلامي، ويتبين لهم، أنك حائف، وكلامك زائف، ومقالك جائف.

وثائق تاريخية

لقد أشار المحدثون والمؤرخون إلى هذه الحوادث الأليمة في الأخبار، وبعضهم صرحوا وشرحوها بالتفصيل وبعضهم باختصار، بحيث لم يبق لأحد مجال للإنكار، وإليكم بعض الوثائق التاريخية التي تكون عندكم محل الوثوق والاعتبار:

1ـ أحمد بن يحيى البغدادي، المعروف بالبلاذري، وهو من كبار محدثيكم، المتوفي سنة 279، روى في كتابه أنساب الأشراف 1/586، عن سليمان التيمي ، وعن ابن عون: أن أبا بكر أرسل إلى علي عليه السلام، يريد البيعة، فلم يبايع.

فجاء عمر ومعه فتيلة ـ أي شعلة نار ـ فتلقته فاطمة على الباب، فقالت فاطمة: يا بن الخطاب! أتراك محرقا علي بابي؟!

قال: نعم، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك!!

2ـ روى ابن خذابه في كتابه " الغدر " عن زيد بن أسلم قال: كنت من حمل الحطب مع عمر إلى باب فاطمة حين امتنع علي واصحابه من البيعة، فقال عمر لفاطمة: اخرجي كل من في البيت أو لأحرقنه ومن فيه!

قال: وكان في البيت علي وفاطمة والحسن والحسين وجماعة من أصحاب النبي (ص).

فقالت فاطمة: أفتحرق علي ولدي!!

فقال عمر: إي والله، أو ليخرجنّ وليبايعنّ!!

3ـ ابن عبد ربه في العقد الفريد 2/ 205 ط المطبعة الأزهرية، سنة 1321هجرية، قال: الذين تخلفوا عن بيعة أبي بكر، علي، والعباس، والزبير، وسعد بن عبادة.

فأما علي والعباس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث إليهم أبو بكر، عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة، وقال له: إن أبوا فقاتلهم!

فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة، فقال: يا بن الخطاب: أجئت لتحرق دارنا؟!

قال: نعم، أو تدخلوا في ما دخلت فيه الأمة!!

4ـ محمد بن جرير الطبري في تاريخه 3/203 وما بعدها، قال: دعا عمر بالحطب والنار وقال: لتخرجن إلى البيعة أو لأحرقنها على من فيها.

فقالوا له: إن فيها فاطمة!

قال: وإن!!

5ـ ابن الحديد في شرح نهج البلاغة 2/56 روى عن أبي بكر الجوهري ، فقال: قال أبو بكر: وقد روي في رواية أخرى أن سعد بن أبي وقاص كان معهم في بيت فاطمة عليها السلام، والمقداد بن الأسود أيضا، وأنهم اجتمعوا على أن يبايعوا عليا عليه السلام، فأتاهم عمر ليحرق عليهم البيت، وخرجت فاطمة تبكي وتصيح.. إلى آخره.

وفي صفحة 57: قال أبو بكر: وحدثنا عمر بن شبة بسنده عن الشعبي ، قال: سأل أبو بكر فقال: أين الزبير؟! فقيل عند علي وقد تقلد سيفه.

فقال: قم يا عمر! قم يا خالد بن الوليد! انطلقا حتى تأتياني بهما.

فانطلقا، فدخل عمر، وقام خالد على باب البيت من خارج، فقال عمر للزبير: ما هذا السيف؟!

فقال: نبايع عليا.

فاخترطه عمر فضرب به حجرا فكسره، ثم أخذ بيد الزبير فأقامه ثم دفعه وقال: يا خالد! دونكه فأمسكه.

ثم قال لعلي: قم فبايع لأبي بكر!

فأبى أن يقوم، فحمله ودفعه كما دفع الزبير فأخرجه، ورأت فاطمة ما صنع بهما، فقامت على باب الحجرة وقالت: يا أبا بكر ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله!......إلى آخره.

وقال ابن الحديد في صفحة 59 و60: فأما امتناع علي عليه السلام من البيعة حتى أخرج على الوجه الذي أخرج عليه. فقد ذكره المحدثون ورواه أهل السير ، وقد ذكرنا ما قاله الجوهري فيلا هذا الباب، وهو من رجال الحديث ومن الثقات المأمونين، وقد ذكر غيره من هذا النحو ما لا يحصى كثرة.

6ـ مسلم بن قتيبة بن عمرو الباهلي، المتوفى سنة 276 هجرية، وهو من كبار علمائكم له كتب قيمة منها كتاب " الإمام ة والسياسة " يروي في أوله قضية السقيفة بالتفصيل، ذكر في صفحة 13 قال: إن أبا بكر تفقد قوما تخلفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه فبعث إليهم عمر، فجاء فناداهم وهم في دار علي، فأبوا أن يخرجوا ، فدعا بالحطب وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها.

فقيل له: يا أبا حفص! إن فيها فاطمة! فقال: وإن!.... إلى آخره.

7ـ أبو الوليد محب الدين بن شحنة الحنفي، المتوفي سنة815 هجرية ، وهو من كبار علمائكم، وكان قاضي حلب، له تاريخ " روضة المناظر في أخبار الأوائل والأواخر " ذكر فيه موضوع السقيفة، فقال: جاء عمر إلى بيت علي بن أبي طالب ليحرقه على من فيه.

فلقيته فاطمة، فقال عمر: أدخلوا في ما دخلت الأمة... إلى آخره(45).

هذه نماذج من الأخبار المروية في كتبكم، حتى إن بعض شعرائكم المعاصرين ذكر الموضوع في قصيدة يمدح فيها عمر بن الخطاب، وهو حافظ إبراهيم المصري المعروف بشاعر النيل، قال في قصيدته العمرية:

وقولة لعلي قالها عــمـر أكـرم بسامعها أعظم بملقيها
حرقت دارك لا أبقي عليك بها إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها
ما كان غير أبي حفص يفوه بها أمام فارس عدنان وحـاميها
الحافظ: هذه الأخبار كلها تنبئ بأن عمر بن الخطاب أمر بالحطب وجاء بالنار وهدد بإحراق البيت على من فيه، ليفرق اجتماع المخالفين لبيعة الخليفة ، فأراد أن يرهبهم ويخوفهم.

ولكنكم زدتم أخبارا لا أصل، فقلتم إنهم أحرقوا الباب وعصروا فاطمة وضربوها حتى أسقطوا جنينها المسمى محسنا.

هذه الأخبار، من أكاذيب الشيعة ولا أصل لها أبدا، وما أظن أحدا من المؤرخين ذكرها.

قلت: أسأل الله تعالى أن يهديك إلى الحق ويكشف لك الحقيقة، إنك نسبتنا إلى الكذب، وافتريت علينا جعل الأخبار غير مرة، وفي كل ذلك اتضح للحاضرين زيف كلامك وبطلان رأيك، وفي هذه المرة أيضا، أذكر مصادر هذه الأخبار التي تنكرها، من كتبكم المعتبرة ومصادركم المشتهرة، حتى يعرف الحاضرون صدقنا، وتعترف أنت بأن الحق معنا.

فاجعة سقط الجنين

1ـ ذكر المسعودي صاحب تاريخ " مروج الذهب " المتوفي سنة 346هجرية، وهو مؤرخ مشهور ينقل عنه كل مؤرخ جاء بعده، قال في كتابه " إثبات الوصية " عند شرحه قضايا السقيفة والخلافة: فهجموا عليه [ علي عليه السلام ] وأحرقوا بابه، واستخرجوه كرها وضغطوا سيدة النساء بالباب حتى أسقطت محسنا!!

نعم، إن إسقاط جنين فاطمة عليها السلام وقتل ولدها " محسن " عند هجوم القوم لأخذ البيعة من الإمام علي عليه السلام، أمر ثابت، إلا أن أكثر مؤرخيكم سكتوا عنه ولم ينقلوه، لحبهم للشيخين، وسترا على سوء فعلهما وهتكهما لبيت الرسالة وحريم العترة، ومع ذلك فقد جرت أقلام بعضهم وسجلت ما حدث وجرى، لأن الله سبحانه يريد أن يتم الحجة عليكم وعلى كل المسلمين، ويريد أن يكشف الحقائق للجاهلين والغافلين، فاستمعوا أيها الحاضرون!

2ـ قال الصفدي في كتاب " الوافي بالوفيات 6/76 " في حرف الألف، عند ذكر إبراهيم بن سيار، المعروف بالنظّام، ونقل كلماته وعقائده، يقول: إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت المحسن من بطنها!

3ـ ونقل أبو الفتح الشهرستاني في كتابه الملل والنحل 1/57: وقال النظّام(46): إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها. وكان يصيح [عمر]: احرقوا دارها بمن فيها!!

وما كان في الدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين.

انتهى كلام الشهرستاني.

4ـ ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 14/193 ط. دار احياء الكتب العربية، بعدما ينقل خبر هبار بن الأسود وترويعه زينب بنت رسول (ص) حتى أسقطت جنينها، فأباح النبي (ص) دم هبار لذلك قال:

وهذا الخبر أيضا قرأته على النقيب أبي جعفر رحمه الله فقال: إذا كان رسول الله (ص)، أباح دم هبار بن الأسود لأنه روع زينب فألقت ذا بطنها، فظهر الحال أنه لو كان حيا لأباح دم من روع فاطمة حتى ألقت ذا بطنها... إلى آخره.

هذه البعض المصادر التي ظفرنا بها في نقل الأخبار التي تنكرونها وتتهمون الشيعة المؤمنين بجعلها!

الحافظ: في نظرنا أن نقل هذه الأخبار لا فائدة فيها سوى التفرقة وتشتت المسلمين.

يلزم الدفاع عن المظلوم وإثبات حقه

قلت:

أولا: قولوا لعلمائكم ومؤرخيكم لماذا ذكروا هذه الأخبار! ثم ردوا على شاعر النيل قصيدته العمرية وعاتبوه عليها وحاكموه على تلك الأبيات التي يتفاخر فيها ويتباهى بتلك الوقائع الأليمة والفجائع العظيمة ويعدها من فضائل القوم!!

ثانيا: وأما نحن فننقلها عنكم لإقامة الحجة عليكم (فلله الحجة البالغة)(47).

ولكي لا ينحرف التاريخ، فنعرف الحق حقا والباطل باطلا، والمظلوم مظلوما والظالم ظالما.

ثالثا: نحن ننقل هذه الأخبار عندما نواجه هجماتكم وحملات بعض المنسوبين إليكم من أصحاب الأقلام التي ما هي إلا أجيرة للأعداء لتبث البغضاء والشحناء بين المسلمين، فتتهم الشيعة الأبرياء والمؤمنين الأوفياء بالكفر والشرك! وتحرك علينا مشاعر العامة وخاصة الجاهلين والغافلين.

ونحن دفاعا عن مذهبنا ومعتقدنا، نبين الوقائع، ونكشف عن الحقائق، حتى يعرف الجميع أن عليا (ع) مع الحق والحق معه، ونحن أتباعه وشيعته، نشهد أن لا إله إلا الله جل جلاله، وأن محمدا رسول الله (ص)، ونقول في علي بن أبي طالب (ع) ما قاله رسول الله (ص) وذلك نقلا من كتبكم المعتبرة ومصادركم المشهورة، فنشهد بأن عليا (ع) عبد الله، ووليه، وأخو رسول الله، ووصيه، وهو خليفته الذي نص عليه بأمر الله تعالى.

أما في جواب قولكم بأن هذه الأخبار لا فائدة فيها سوى التفرقة وتشتت المسلمين.

فأقول: أنتم البادئون والعادون والمهاجمون ونحن مدافعون، فانتهوا وامنعوا أصحابكم عن التعرض وعن الكذب والافتراء علينا، حتى نسكت عن نقل هذه الأخبار.

الحافظ: أنا لا أوافق الذين يرمون الشيعة بالكفر والشرك، ولكني لا أسكت أيضا على بعض الأخبار المروية في كتبكم، والتي تنسبونها إلى رسول الله (ص) وهي تفسح مجال العصيان للعباد، فيعملون بالذنوب اتكالا على تلك الأخبار والأحاديث.

قلت: رجاء! بين تلك الأخبار، فربما نصل معكم إلى حل وتفاهم.

شبهات وردود

الحافظ: ذكر العلامة المجلسي وهو واحد من أكبر علمائكم ومحدثيكم، في كتابه " بحار الأنوار " راويا عن رسول الله (ص) أنه قال: حب علي حسنة لا تضر معها سيئة.

وروى عنه (ص): من بكى على الحسين وجبت له الجنة.

هذه الأخبار ونظائرها كثيرة في كتبكم، وهي تسبب فساد الأمة وانتشار الذنوب والمعاصي.

قلت: لو كان الأمر كذلك للزم أن نرى أهل السنة والجماعة مبرئين من الذنوب، وبعيدين عن الحوب، بينما نرى البلاد التي يسكنها أهل السنة قد انتشرت فيها الذنوب الكبيرة، وشاعت فيها معاصي كثيرة، وكثير منهم يتجاهرون بالفسوق والفجيرة! فهذه عواصمكم مثل بغداد والقاهرة ودمشق وبيروت وعمان والجزيرة وغيرها، تتسابق في تأسيس مراكز المعاصي والفجور، ومحلات القمار، وحانات الخمور.

فهل ترضون أن ننسب هذه المخازي والفسوق إلى مذهبكم وضعف مبادئكم ؟!

هل تقبلون منا لو قلنا: إن السبب في انتشار الفحشاء والفجور، وعدم التحرج في شرب النبيذ والخمور، هو فتاوى علمائكم؟!!

لأن بعضهم أفتى بطهارة الكلب وأحل أكله.

وبعضهم أفتى بطهارة المني والخمر وعرق الجنب من الحرام.

وبعضهم أفتى بجواز اللواط في السفر!

وبعضهم أفتى بنكاح المحارم، الأم ومن دونها، بشرط أن يلف القضيب بالحرير!!

هذه الفتاوى وأمثالها تسبب تجرؤ العوام والجاهلين على ارتكاب المعاصي وعمل الفسق والفجور.

ولذلك فإن علماءنا يحرمون تلك الأعمال القبيحة ولا يجيزونها بأي حال من الأحوال.

الحافظ: هذه المسائل التي ذكرتها، كلها أكاذيب، وللأسطورة أقرب منها إلى الحقيقة، وهي من مفتريات الشيعة!

أبيات شعر للعلامة الزمخشري

قلت: أنت أعرف بحقيقة مقالي والعلماء الحاضرون أيضا يعلمون بصدقي، ولكن يصعب عليكم الإقرار، والخجل يدعوكم إلى الإنكار، وإلا كيف يمكن لعالم ديني ـ مثلكم ـ يجهل هذه المسائل التي ذكرها وأفتى بها بعض علمائكم ثم نقلها عنهم بعض أعلامكم وانتقدوها؟!

وأذكر لك نموذجا من كتبكم ليكون دليلا على كلامنا، راجع تفسير الكشاف 3/301 للعلامة الكبير جار الله الزمخشري، فإنه يقول:

إذا سألوا عن مذهبي لم أبح به وأكتمــه، كتمانه لي أسلم
فإن حنفيا قلت، قالوا بأنني أبيح الطلا وهو الشراب المحرم
وإن مالكيا قلت، قالوا بأنني أبيح لهم أكل الكلاب وهم هم
وإن شافعيا قلت، قالوا بأنني أبيح نكاح البنت والبنت تحرم
وإن حنبليا قلت، قالوا بأنني ثقيل حلولي بغيض مجسم
وإن قلت من أهل الحديث وحزبه يقولون: تيس ليس يدري ويفهم
تعجبت مـن هذا الزمان وأهله فما أحد من ألسن الناس يسلم
وأخرني دهري وقدم معشرا على أنهم لا يعلمون وأعلم
فنرى هذا العالم والمفسر يخجل أن ينسب نفسه إلى أحد المذاهب الأربعة! لوجود تلك الآراء الفاسدة والفتاوى الباطلة فيها، ثم إنكم تريدون منا أن نتبع تلك المذاهب ونترك مذهب أهل بيت النبوة والعترة والصفوة الطاهرة!

فلنخرج من هذا الإطار ونتابع موضوع الحوار.

فأقول: أما الخبر الذي ذكرته من " بحار الأنوار " لم تنفرد الشيعة بنقله، فإن علمائكم وأعلامكم نقلوه أيضا ونقلوا أمثاله في كتبهم المعتبرة.

إسناد حديث حب علي حسنة

لقد ذكر هذا الحديث كثير من أعلامكم وأيدوه، منهم:

الإمام أحمد بن حنبل في مسنده، والخطيب الخوارزمي في آخر الفصل السادس من كتابه " المناقب " والشيخ القندوزي الحنفي في الباب 43 من كتابه " ينابيع المودة " وأيضا في الباب 56 نقله عن الديلمي، قال: حب علي حسنة لا تضر معها سيئة ، حب علي براءة من النار، حب علي يأكل الذنب كما يأكل النار الحطب، حب علي براءة من النفاق.

وفي المناقب السبعين (48) خرجه عن ابن عباس في الحديث رقم 33، قال: قال رسول الله (ص): حب علي بن أبي طالب يأكل الذنوب كما تأكل النار الحطب.

وفي الحديث رقم 59، عن معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله (ص) : حب علي بن أبي طالب حسنة لا تضر معها سيئة، وبغضه سيئة لا تنفع معها حسنة.

رواهما صاحب " الفردوس ".

ورواه المحدث والفقيه الشافعي المير السيد علي الهمداني في كتابه " مودة القربى " في المودة السادسة عن ابن عباس، قال: حب علي يأكل الذنوب كما تأكل النار الحطب.

وعنه أيضا: حب علي براءة من النار.

ورواه محب الدين الطبري في " ذخائر العقبي " الحديث رقم 59 من الأحاديث السبعين التي رواها في فضائل أهل البيت (ع).

ورواه محمد بن طلحة في مطالب السؤول.

والعلامة الكنجي والشافعي في كتاب " كفاية الطالب في مناقب مولانا علي بن أبي طالب ".

ثم إن كان عقلكم وعلمكم لا يصل إلى معنى حل الحديث كهذا وأمثاله ، فأنصحكم ألا تطعنوا فيه ولا تردوه، بل يجب أن تسألوا عن حله ومعناه وتفسيره ممن هو أعلم، قال تعالى: (فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)(49).

وطالما أن هذا الحديث وأمثاله لا يعارض كتاب الله سبحانه فليس لأحد من المسلمين إنكاره.

الحافظ: كيف لا يعارض كتاب الله وهو سبب تجرؤ الناس على المعاصي!

قلت: لا تعجل حتى أبين لك كيف لا يعارض الكتاب الكريم، فإن الله تعالى يقسم الذنوب في القرآن إلى قسمين، صغائر وكبائر.

وهو يعبر في بعض الآيات عن الصغائر بالسيئة، في حين يعبر عن الكبائر بالذنوب، كما في سورة النساء، الآية 31، قال تعالى:

(إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما).

فالآية تصرح بأن عبدا لو اجتنب الكبائر وارتكب الصغائر، فإن الله عز وجل يعفو عنه، ويدخله الجنة، والحديث الذي تنكروه لا يصرح بأكثر من هذا.

فإن حب علي (ع) حسنة عظيمة عند الله سبحانه بحيث لا تضر معها السيئات، يعني الصغائر.

الحافظ: إن هذا التفسير والتقسيم لا يكون على أساس علمي (50).

لأن الله تعالى يقول: (إن الله يغفر الذنوب جميعا)(51) فالعبد العاصي إذا تاب واستغفر الله سبحانه فإنه يغفر كل ذنوبه سواء أكانت من الكبائر أم الصغائر.

قلت: أظنك ما دققت النظر في الآية الكريمة التي تلوتها عليك، وإلا ما كنت تورد إشكالا على كلامي، لأن الذي قسم المعاصي إلى كبائر وصغائر وفرق بينهما هو الله تعالى، لا أنا.

ثم اعلم بأننا نعتقد ـ مثلكم ـ بأن الله تعالى يغفر الذنوب جميعا، فكل عبد عاص إذا تاب وندم وعمل بشرائط التوبة، فإن الله سبحانه يغفر ذنوبه ويعفو عنه، ولكن إذا لم يتب فيعاقبه الله تعالى بعد الموت في عالم البرزخ، فإذا لاقى عقاب ذنوبه قبل يوم الحساب، يساق إلى الجنة في يوم المعاد، وإلا فيقضى عليه فيلقى في جهنم ليرى جزاء عمله هناك.

والعبد المؤمن إذا ارتكب الصغائر ومات من غير توبة فإنه كان يحب الإمام عليا (ع) يغفر الله تعالى له ويعفو عنه ويدخله الجنة، قال سبحانه: (وندخلكم مدخلا كريما)(52).

فلا أدري لماذا تعتقد بأن هذا الحديث الشريف " حب علي حسنة لا تضر معها سيئة " يسبب تجرؤ الشيعة على المعاصي!!.

هل الحديث يأمر بارتكاب الذنوب؟! لا..

فأثر هذا الحديث في المسلمين كأثر آيات القرآن الحكيم التي تعد العباد المذنبين بقبول التوبة وغفران ذنوبهم.

فكما إن آيات التوبة والمغفرة تبعث الرجاء برحمة الله تعالى في قلوب العباد وتزيل اليأس عن نفوس العصاة، كذلك هذا الحديث الشريف وأمثاله، فإنه يوقف المحب عند السيئات ويصده عن الكبائر الموبقات، لأن إطاعة الحبيب من لوازم الحب.

قال الإمام الصادق، وهو إمامنا جعفر بن محمد (ع): إن المحب لمن يحب مطيع، فالشيعي يعرف هذا فلذلك لا يرتكب الذنوب والمعاصي اتكالا على حبه للإمام علي (ع) بل يجتهد في الطاعة إمامه ومتابعته، لإثبات صدقه في الحب لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع).

نعم، هناك بعض المحبين الذين يحسبون أنفسهم من الشيعة يرتكبون بعض الذنوب مثل كثير من أهل السنة والجماعة فلا يكون عملهم السيئ بسبب حبهم أو بسبب حديث النبي (ص) فإن الإنسان بطبعه يكون مطيعا لهواه ومجيبا لنفسه الأمارة كما قال سبحانه وتعالى حكاية عن يوسف الصديق: ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم) (53).

وأما الشيعي هو الذي يعزم على أن يخطو ويسير في الطريق الذي سار فيه الأئمة الهداة من أهل البيت (ع) ويلتزم بنهجهم ويعمل برأيهم.