لهذا كان حب الإمام علي وبنيه عليهم السلام، وبغض عدوه وظالميه، مكنون في قلوب الإيرانيين، ولم يجدوا فرصة في لإظهارهما حتى القرن الرابع الهجري في عهد: آل بويه ودولتهم، فأظهروا حبهم لعلي وأبنائه عليهم السلام وبغضهم لظالميه وأعدائه.

وليس هناك أي ارتباط بين تشيع الإيرانيين وحكومة هارون وابنه المأمون العباسي.

دولة آل بويه

وأما آل بويه ـ الذين بدأت دولتهم في شيراز في القرن الرابع الهجري، وسرعان ما سرى نفوذهم في كل بلاد إيران والعراق، بل امتد سلطانهم في جميع بلاد بني العباس، وكانت كلمتهم تحكم في كل الولاة والحكام، وليس للخليفة العباسي إلا مراسيم الخلافة ـ فقد كانوا من شيعة إيران، وآل بويه مع هذه القدرة والنفوذ، ومع أنهم كانوا من شيعة وموالين لعلي وبنيه عليهم السلام، فهم لم يحاربوا التسنن، كما فعل الكثير من ملوك أهل السنة مع الشيعة، ولم يتعصبوا للشيعة على السنة، وإنما أعطوا الشيعة حرية إبداء العقيدة فحسب(22).

شيعة إيران في عهد ي سنة 694 هجريالمغول

وفي سنة 694 هجرية فتح غازان خان المغولي بلاد إيران، ولكنه أسلم وسمي بـ: " السلطان محمود " وكان يظهر الحب والولاء لآل رسول الله (ص) ويحترم محبيهم، وكان الشيعة في حرية العقيدة في دولته، ولما توفي سنة 707 هجرية خلفه أخوه، وقد أسلم هو أيضا وسمي: " محمد شاه خدابنده " ولما اطلع هذا على كثرة المذاهب، وأهل كل مذهب يزعمون أنهم على حق وأن غيرهم على ضلال أحب أن يعرف الحقيقة ويكشف عن الحق ليتمسك به، فأمر بإحضار العلماء من كل مذهب، ثم أمرهم بالمناقشة والمناظرة والمحاورة بمحضره.

وكان العلامة الكبير الشيخ جمال الدين حسن بن يوسف الحلي، ممثل الشيعة في المجلس، وهو وحده ناظر جميع علماء المذاهب الأربعة الحاضرين في مجلس السلطان، وأفحمهم بالأجوبة الكافية والأدلة الشافية، وأورد عليهم مسائل وإشكالات فلم يتمكنوا من ردها.

هنالك ظهر الحق وزهق الباطل، وأعلن " خندابنده " وحاشيته تشيعهم، وأصدر بعد ذلك بيانا إلى جميع ولاته على البلاد، وأخبرهم بما جرى في مجلسه، وأنه تشيع على علم ودراية، لذا يجب أن تلقى الخطب في الجمعة والجماعات باسم الإمام علي وأبنائه (ع)، وطبع الدراهم والدنانير بكلمة: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله، وسعى كثيرا واجتهد لنشر مذهب الشيعة في البلاد.

والملوك الصفويون من بعد المغول، جدوا واجتهدوا في نشر مذهب الشيعة، وأعلنوه المذهب الرسمي في إيران، وقدموا خدمات عظيمة للبلاد والعباد تحت راية علماء الشيعة ومفكريهم.

وإلى يومنا هذا، فإن المذهب الرسمي في إيران هو مذهب الشيعة الإمامية الإثنا عشرية، وهذا منذ عهد آل بويه قبل فترة الصفوية بسبعمائة عام، والمجوس أقلية لا يعدون شيئا بالنسبة للمسلمين في إيران بل هناك أقليات أخرى، ربما يكون عددهم أكثر من المجوس، وهم أيضا لا يعدون شيئا بالنسبة للمسلمين الشيعة في بلاد الفرس.

فالأكثرية الساحقة في إيران، يعتقدون بـ: توحيد الله سبحانه وتعالى، وبرسالة محمد بن عبدالله خاتم الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين، وبإمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأبنائه المعصومين الأحد عشر (ع).

الحافظ: إني أتعجب منك أيها السيد الحجازي المكي المدني، حيث حللتم في إيران نسيت أصلك، وتركت شريعة جدك، وصرت مدافعا عن الإيرانيين، وحسبتهم أتباع علي كرم الله وجهه، والحال أن عليا برئ من عقائدهم ومذهبهم، لأنهم يؤهلون عليا ويجعلوه بمنزلة الرب (عز وجل) في أشعارهم وأقوالهم، وهو باليقين برئ من هذه العقيدة، لأنه كان عبدا مطيعا لله سبحانه وتعالى.

والآن أقرأ عليك بعض أشعار شعراء إيران الشيعة حتى تعرف صدقي وصحة كلامي، فقد أنشد الشاعر الإيراني، عن لسان علي كرم الله وجهه كفرا صريحا، وهو:

مظهر كـل عـجائب كيست؟ من مظهـر كل العجـائب من؟... أنــا!
مظهر سـر غـرايب كيست؟ من مظهر ســر الغـرائب من؟... أنــا!
صاحب عـون نوائب كيست؟ من صاحب عـون النوائـب من؟ أنــا..!
در حقيقت ذات واجب كيست؟ من في الحقيقة ذات الواجب من؟ أنــا..!
ويقول الآخر:

در مذهب عارفان آكاه الله علي، علي است الله!
في مذهب العرفاء العالمين الله علي، علي هـو الله!
فهل بعد هذا تشك في كفرهم؟!

قلت: إني لا أشك، ولا كنت شاكا، في كفر القائلين لهذه الأبيات وأمثالها، والعجب ثم العجب منك، إذ تنسب هؤلاء الشعراء الملاحدة والغلاة والزنادقة، إلى الشيعة الموحدين لله تعالى، وعلى هذا الحساب الجائر والخيال القاصر، تفتون ـ لأتباعكم ـ بكفر الشيعة، وتسمحون لعوامكم بنهب أموا الشيعة وسفك دمائهم وهتك أعراضهم.

فكم شبت فتن على إثر هذه الفتاوى، في أفغانستان وطاجيكستان وأوزبكستان وتركستان والهند وباكستان وغيرها، التي يندى منها جبين البشرية، وتبكي لها عين الإنسانية والله يعلم كم من الشيعة المؤمنين قتلوا بأسلحة أتباعكم العوام، لأنهم بسبب هذه التقولات الموهومة والاتهامات المزعومة على شيعة آل محمد (ص) يحسبونهم كفارا، حتى في الأزمنة السالفة كان اعتقاد كثير من أهل السنة في هذه المناطق التي ذكرتها أن من قتل عددا من الروافض ـ الشيعة ـ وجبت له الجنة!!

اعلموا أن مسؤولية هذه الدماء التي سفكت، إنما تكون عليكم، وسوف تسألون عنها في المحشر، يوم ينادي المنادي: (وقفوهم إنهم مسؤولون)(23)! فما يكون جوابكم عند الله تعالى؟!

أسألكم إذا كفر عدد قليل لا يعبأ بهم في قوم مؤمنين يبلغ عددهم الملايين، هل صحيح أن يحكم على كل القوم بالكفر ألم تكن في بلادكم أقليات مشركة وطوائف كافرة؟! وهم يعدون من الأفغان فهل صحيح نحكم على كل أفغاني بالكفر والشرك؟

ألم تكن جماعات من الغلاة الذين يؤهلون عليا في تركيا وغيرها من البلاد الإسلامية؟! فهل صحيح أن نحكم على أهل كل بلد يعيش فيه عدد من الغلاة بالكفر والإلحاد؟!

فإن اعتقادكم هذا بالإيرانيين دون غيرهم، ينبئ عن غيظ وحقد مكنون في قلوبكم ضدهم، ويكشف عن تعصب بغيض ضد الشيعة.

وأما الأبيات التي قرأتها وأمثالها، إن هي إلا من شعر الغلاة، وهم غير الشيعة، بل الشيعة الامامية وعلمائهم يكفرون الغلاة ويتبرؤن منهم، وقد أفتى علماء الشيعة في إيران وفي كل مكان بكفر الغلاة ونجاستهم وقالوا بوجوب الاجتناب عنهم والتبري منهم.

الإسلام يرفض التعصب القومي

وأما قولك: بأني سيد حجازي مكي مدني، فلماذا صرت مدافعا عن الإيرانيين؟!

فمن الواضح أني أفتخر بنسبي إلى رسول الله (ص) وانتسابي لمكة والمدينة، ولكني أحمد الله الذي لم يجعل في نفسي شيئا من النزعة القومية التي تتفرع عن جذور الجاهلية.

لأن جدي رسول الله (ص)، وإن روي عنه أنه قال: حب الوطن من الإيمان، وبهذه العبارة دعا كل قوم إلى الدفاع عن وطنه والتفاني لبلاده أمام هجوم. ولكنه حارب النزعات القومية والعصبيات القبلية بشدة(24) مثلما حارب عبادة الأصنام، وسعى جاهدا لتوحيد القوميات كلها تحت راية التوحيد والإسلام، فنادى بأعلى صوته كرارا بين أصحابه: الناس سواسية كأسنان المشط، لا فخر لعربي على عجمي، ولا أبيض على أسود، إلا بالتقوى.

وقال (ص): أيها الناس، ليبلغ الشاهد الغائب، إن الله تبارك وتعالى قد أذهب عنكم بالإسلام نخوة الجاهلية، والتفاخر بآبائها وعشائرها.

أيها الناس! كلكم لآدم وآدم من تراب، ألا إن خيركم عند الله وأكرمكم عليه، أتقاكم وأطوعكم له.

وقال (ص) حين فتح مكة: يا معشر قريش! إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء، الناس من آدم وآدم خلق من تراب، قال الله تعالى: ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)(25).

فهذا جدي وهو النبي الأكرم (ص) وسيد بني آدم، كان يحترم بلال الحبشي وسلمان الفارسي وصهيب الرومي ويساويهم في المعاملة مع أقرانهم من العرب، كأبي ذر الغفاري والمقداد الكندي وعمار بن ياسر وغيرهم.

ولكن أبا لهب الذي ولد في أشرف بيت من قريش، وهو عم النبي الكريم (ص) حين كفر بالله العظيم، تبرأ منه رسول الله (ص) والمسلمون، ونزلت سورة في ذمه فيها: (تبت يدا أبي لهب وتب)(26)... إلى آخرها.

نعم:

لقد رفع الإسلام سلمان فارس وقد وضع الشرك الشريفَ أبا لهب

التمييز العنصري سبب الحروب

كل من يطالع تاريخ العالم، يعرف أن أكثر الحروب في العالم أو كلها نشبت بسبب حمية الافتخارات الجاهلية، من نزعات قومية وتفرقة عنصرية وغيرها.

فالألمانيون يعتقدون أن قومية (الجرمن) تفوق القوميات الأخرى.

واليابنيون يريدون سيادة بني الأصفر على العالم.

والأوربيون يفضلون البيض على غيرهم.

والامريكيون يريدون السيطرة على العالم بزعمهم أنهم أفضل الخليقة، ويفضلون البيض على السود بشكل فظيع، وقد وضعوا قوانين ظالمة تسحق حقوق السود، فلا يحق لهم أن يدخلوا في الأماكن والمحلات المخصصة للبيض، حتى في الكنائس والمعابد!

وفي المعاهد العلمية، العلماء السود يجلسون في صف النعال والبيض الذين هم أنزل رتبة في العلم، يعلون عليهم في المجلس.

ولا يحق للسود مناقشة البيض في المطارحات والمناظرات العلمية، لذلك خصصوا لهم معاهد خاصة.

وحتى في القطارات والمطارات وغيرها، نجد التمييز العنصري ظاهر، وقانونه الجائر ونافذ في الدول التي تدعي التدمن والالتزام بحقوق الإنسان!

وأشد مظاهر التمييز العنصري اليوم هو في أمريكا، وهي تزعم سيادة العالم والدفاع عن حقوق البشر وحرية الانسان في كل الأقطار والأمصار، ولكنها تعامل السود الذين يشكلون نسبة عظيمة من الشعب الأمريكي كالحيوان، بل يفضلون عليهم بعض الحيوانات، فالسود في أمريكا محرومون من حقوقهم الاجتماعية والإنسانية التي منحها الله تعالى لكل البشر على الحد سواء.

ولكن الإسلام العظيم وقائده الكريم محمد (ص) منذ أكثر من ألف وثلاثمائة عام، ألغى النزعات القومية والتفرقة العنصرية، وحاربها كما حارب الكفر والشرك، وعبر عنها بالنخوة والعادات الجاهلية.

ثم إنه (ص) احتضن بلال الحبشي وصهيب الرومي بالتكريم والمحبة، كما احتضن أبا ذر وعمار وسلمان، وقال في كل واحد منهم، ما بين فيه مكانته وقربه عند الله سبحانه وتعالى.

وعين بلال الحبشي ـ الأسود ـ مؤذنا في مسجده، وهو مقام رفيع في الإسلام، فإن المؤذن: داعي الله ومناديه في عبادة المؤمنين.

وقد جعل الله عز وجل التقوى معيارا في التكريم والتفضيل، فقال عز من قائل: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)(27).

وأنا ـ بعيدا عن النزعات القومية و التعصبات الجاهلية ـ ألزم نفسي بالدفاع عن الحق وإن كان أكثره من غير قومي، وأحارب الباطل وإن كان أكثر أهله من قومي، فأصر التشيع لأنه المذهب الحق وإن كان أكثر المتمسكين به إيرانيين، وأحارب الباطل وأرفضه وإن كان أكثر الحجازيين.

نحن أبناء الدليل حيثما مال نميل

الغلاة ليسوا من الشيعة

لقد نسبت أشعار الغلاة الإيرانيين إلى الشيعة الموحدين المؤمنين، فخلطت الحابل بالنابل.

فإن شيعة الإمام علي (ع)، سواء أكانوا إيرانيين أم عربا أم غيرهم، كلهم يوحدون الله تعالى ويطيعونه ويعبدونه ولا يشركون به شيئا، ويشهدون بأن محمدا بن عبدالله عبده ورسوله، و خاتم النبيين، ولا نبي بعده إلى قيام يوم الدين.

ويعتقدون بأن علي بن أبي طالب ولي الله وعبده الصالح، اتخذه النبي (ص) أخا، وأوصى إليه وجعله خليفته من بعده، كل ذلك بأمر من الله تبارك وتعالى.

ويعتقدون بإمامة الحسن المجتبى (ع) بعد أبيه المرتضى، ومنم بعده إمامة الحسين الشهيد (ع)، ثم إمامة تسعة من أولاد الحسين (ع) نص عليهم رسول الله (ص) وعرفهم بأوصافهم وصفاتهم، وقد عصمهم الله تعالى من الذنب، وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وهم عباده المكرمون، ولا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون.

ومن كان يقول ويعتقد غير هذا في الإمام علي وبنيه الأئمة الأحد عشر (ع) فلا تنسبوه إلى الشيعة.

ونحن الشيعة في إيران وغيره براء من الغالين في الإمام علي أو بنيه، كالسبئية والخطابية والغرابية والحلولية وغيرهم، وهذه الفرق أقليات متفرقة في أكثر البلاد الإسلامية لا إيران فقط، إلا أنه في تركيا يبلغ عددهم الملايين، مع ذلك لا تنسبون مسلمي تركيا ـ بما فيهم الشيعة الأتراك ـ إلى الغلاة!

فالشيعة في كل مكان بريئون من هذه الفرق، ويتألمون من انتسابها إليهم، كما أن المسلمون عموما يتبرءون منها عندما ينسب المستشرقون هذه الفرقة الغالية إلى الإسلام.

والشيعة: علماؤها وفقهاؤها في إيران وغيرها حكموا على الغلاة بالكفر، وأفتوا بنجاستهم ووجوب الاجتناب عنهم، ومع هذا كله، تنسبون إلينا هذه الفرق الضالة، أو تحسبوننا منهم!! إن هذا إلا بهتان عظيم.

فلو كنتم تقرءون كتبنا الكلامية، لوجدتم ردود متكلمينا وعلمائنا على عقائد الغلاة الإلحادية، بالدلائل العقلية والنقلية، وسأنقل لكم بعض الأخبار المروية في كتبنا عن أئمة الشيعة، وقد جمع قسما منها المحدث الجليل، والحبر النبيل، علامة عصره، ونابغة دهره، الشيخ المولى باقر المجلسي ـ قدس سره ـ في كتابه بحار الأنوار الذي هو أضخم دائرة معارف الشيعة الامامية وعدد أجزائه مائة وعشر مجلدات.

1ـ روي في ج 25 ص 273، حديث 19: عن أبي هاشم الجعفري قال سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن الغلاة و المفوضة فقال الغلاة كفار و المفوضة مشركون من جالسهم أو خالطهم أو واكلهم أو شاربهم أو واصلهم أو زوجهم أو تزوج إليهم أو أمنهم أو ائتمنهم على أمانة أو صدق حديثهم أو أعانهم بشطر كلمة خرج من ولاية الله عز و جل و ولاية الرسول (ص) و ولايتنا أهل البيت.

2ـ وفي ج 25 ص 283، حديث 33: عن الإمام جعفر الصادق (ع) الغلاة شر خلق الله يصغرون عظمة الله و يدعون الربوبية لعباد الله و الله إن الغلاة لشر من اليهود و النصارى و المجوس و الذين أشركوا.

3ـ وفي ج 25 ص 286، حديث 40: عن أبان بن عثمان قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول لعن الله عبد الله بن سبأ إنه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين و كان و الله أمير المؤمنين (ع) عبدا لله طائعا الويل لمن كذب علينا و إن قوما يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا نبرأ إلى الله منهم نبرأ إلى الله منهم.

4ـ وفي ج 25 ص 286، حديث 41: عن الثمالي قال: قال علي بن الحسين (ع) لعن الله من كذب علينا إني ذكرت عبد الله بن سبإ فقامت كل شعرة في جسدي لقد ادعى أمرا عظيما ما له لعنه الله كان علي ع و الله عبدا لله صالحا أخو رسول الله ص ما نال الكرامة من الله إلا بطاعته لله و لرسوله و ما نال رسول الله ص الكرامة من الله إلا بطاعته لله عز وجل.

5ـ وفي ج 25 ص 296، حديث 55: عن المفضل بن يزيد قال: قال أبو عبد الله (ع) ـ و ذكر أصحاب أبي الخطاب و الغلاة ـ فقال لي يا مفضل لا تقاعدوهم و لا تؤاكلوهم و لا تشاربوهم و لا تصافحوهم و لا توارثوهم.

6ـ ج 25 ص 297، حديث 59: عن الصادق (ع): لعن الله من قال فينا ما لا نقوله في أنفسنا و لعن الله من أزالنا عن العبودية لله الذي خلقنا و إليه مآبنا و معادنا و بيده نواصينا.

7ـ وفي ج 25 ص 303، حديث 69: عن صالح بن سهل قال كنت أقول في أبي عبد الله (ع) بالربوبية فدخلت فلما نظر إلي قال يا صالح إنا و الله عبيد مخلوقون لنا رب نعبده و إن لم نعبده عذبنا.

هذا أئمة الشيعة في ابن سبأ وأبي الخطاب والمفوضة والغلاة، ومع هذا كله، فإنكم وكثير من كتابكم تنسبون الشيعة إلى ابن سبأ الملعون!

فهل وجدتم كتاب واحد من كتب الشيعة الامامية الجعفرية ـ المنسوبين للإمام جعفر الصادق (ع) ـ كلمة واحدة في مدح ابن سبأ؟!

هذه كتبنا من أكثر من ألف سنة ملأت المكتبات والمدارس ـ اقرؤها بدقة، وطالعوها بتدبر، فلن تجدول شطر كلمة في تأييد ابن سبأ وعقائده وأفكاره، بل تجدون رده ولعنه، وأنه يهودي كافر.

فارجعوا عن كلامكم واعدلوا عن قولكم ورأيكم عن الشيعة، واخشوا الله وخافوا الحساب، يوم تسألون عن كل حرف مما قلتم، فقد قال تعالى (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)(28).

وقال سبحانه (فمن يعمل مثقال ذرة خير يره * ومن يفعل مثقال ذرة شرا يره)(29).

فأرجوكم أن تحاوروني بكلام نابع من الواقع والحقيقة، ولا تأخذوا ما يقول أعداؤنا وخصومنا فينا، فإن الخصم قلما ينصف خصمه.

فكما أحتج وأتكلم أنا بالاستناد إلى كتبكم وصحاحكم في إثبات ما أقول، فإن أصول المحاجة والحوار تقتضي أن تكونوا كذلك.

الحافظ: إن نصائحكم مقبولة، وإن شاء الله لا نقول إلا ما فيه رضاه، وإني حين سمعت هذه الروايات عندكم في رد الغلاة، زاد تعجبي فيكم، لأنا نسمع منكم في هذا الحوار تعابير في أئمتكم، يشم منها رائحة الغلو، وهم غير راضين بتلك الكلمات، بالرغم من أنكم تحرصون على كل كلمة تلفظونها، حتى لا يؤاخذكم بها، ولا تكون سببا للطعن فيكم.

قلت: أنا لست جاهلا معاندا، ولا متعصبا جامدا، فإذا كانت في كلامي هفوات ومغالاة، فالواجب أن تنبهوني، فإن الإنسان في معرض السهو والنسيان، وأرجوكم أن تذكروا كل ما كان في نظركم غلوا أو كفرا أو خارجا عن ميزان العقل والمنطق.

الحافظ: إن الله تعالى خص نبيه محمدا (ص) بتحية الصلاة، والسلام في الآية الكريمة: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) (30) ولكن الشيعة كلهم ـ وحتى جنابكم في هذا المجلس ـ كلما ذكرتك أحد أئمتكم ألحقتم باسمه جملة (سلام الله عليه) أو (صلوات الله عليه) عوض أن تقولوا: (رضي الله عنه) فإنكم تشركون أئمتكم مع النبي في ما خصه الله تعالى من التحيات، فعملكم هذا بدعة وضلال وخلاف لنص القرآن الكريم.

قلت: إن الشيعة لم يخالفوا نصا في أي عمل من أعمالهم الدينية، ولكن أعداءهم كالخوارج والنواصب وبني أمية وأتباعهم في القرون الماضية افتروا عليهم، واعترضوا على بعض أعمالهم بأنها بدعة.

وعلماؤنا ردوا عليهم وأجابوهم بأدلة عقلية ونقلية أثبتوا بها أن الشيعة ليسوا أهل البدع والضلال، أجابوهم على الإشكال الذي أوردته بالتفصيل، ولكن رعاية للوقت، وإني أرى آثار التعب والنعاس تبدو على بعض الحاضرين، أجيبكم باختصار:

أولا: إن الله عز وجل في الآية الكريمة يأمر المؤمنين بالصلاة والسلام على النبي (ص) ولا ينهى عن الصلاة والسلام على غير النبي (ص).

ثانيا: كما أن الله تعالى قال في الآية الكريمة: (إن الله وملائكته يصلون على النبي) فقد قال في سورة الصافات (سلام على آل ياسين) (31).

والله عز وجل في تلك السورة أيضا سلم على أنبيائه بقوله( سلام على نوح في العالمين)(32) (سلام على إبراهيم)(33) (سلام على موسى وهارون)(34) ولم يسلم على آل أحد الأنبياء إلا آل ياسين، و (يس) أحد أسماء نبينا (ص)، لأن الله تعالى ذكر لنبيه الكريم في القرآن، الحكيم خمسة أسماء وهي: محمد وأحمد وعبدالله ونون ويس، فقال (يس * والقرآن الكريم * إنك لمن المرسلين) (35) يا: حرف نداء، و(س) اسم رسول الله (ص) وهو إشارة إلى تساوي ظاهره وباطنه.

النواب: ما هو سبب اختيار حرف (س) من بين الحروف؟!

قلت: لأن حرف الـ (س) في حروف التهجي هو وحده يكون عدد ظاهره وباطنه متساويين، فإن لكل حرف من حروف التهجي عند المتخصصين بعلم الحروف والأعداد زُبَر وبينة، وحين تطبيق عدد: زُبِر وبينة كل حرف يكون عددهما مختلفا، إلا حرف (س) فإن زبره يساوي بينته.

نواب: عفوا يا سيد، أرجو منك التوضيح بشكل نفهمه نحن العوام، ونحن لا نعرف معنى: الزبر والبينة، فنرجو توضيحا أكثر.

قلت: أوضح:

الزبر: هو اسم الحرف الذي يخط على القرطاس: (س) وهو حرف واحد، ولكن عند التلفظ يكون: ثلاثة حروف: س ي ن فكل ما زاد على الحرف وخطه في تلفظه يكون بينته، وعدد (س) عند العلماء: ستون وعدد (ي) عشرة، و(ن) خمسون، فيكون جمعهما ستون أيضا، فيتساوى عدد: (س) وعدد: (ين) وهذا هو الحرف الوحيد بين حروف التهجي يتساوى زبره وبينته.

ولذلك فإن الله تعالى خاطب نبيه قائلا: يس، الياء: حرف نداء، و (س): إشارة إلى اعتدال ظاهره وباطنه.

وكذلك في الآية المباركة قال: (سلام على آل ياسين).

الحافظ: إنكم تريدون بسحر كلامكم أن تثبتوا شيئا لم يقله أحد من العلماء!

قلت أرجوك أن لا تتسرع في نفي ما أقول، بل فكر وتدبر ولا تعجل، فإن العجلة ندامة، لأني أثبت كلامي استنادا إلى كتبكم وصحاحكم، وعندها تُحرج أمام الحاضرين وتخجل، وأنا لا أحب لك ذلك.

وإنكم إما غير مطلعين على كتبكم، أو مطلعين عليها ولكنكم تكتمون الحق!

أما نحن، فمطلعون على كتبكم وما فيها من الروايات والأحاديث الصحيحة والمدسوسة، فنأخذ الصحيحة ونترك غيرها.

وفي خصوص هذا الموضوع نعرف روايات وأحاديث معتبرة في كثير من كتبكم، منها: في كتاب (الصواعق المحرقة) الآية الثالثة في فضائل أهل البيت.

قال إن جماعة من المفسرين رووا عن ابن عباس أنه قال: أن المراد بـ (سلام على آل ياسين) أي: سلام على أل محمد، قال وكذا قاله الكلبي.

ونقل ابن حجر أيضا عن الإمام الفخر الرازي أنه قال: إن أهل بيته (ص) يساوونه في خمسة أشياء:

1ـ في السلام، قال السلام عليك أيها النبي، وقال سلام على آل ياسين.

2ـ وفي الصلاة عليه وعليهم في التشهد.

3ـ وفي الطهارة، قال تعالى (طه)(36) أي: يا طاهر، وقال: ( ويطهركم تطهيرا)(37).

4ـ وفي تحريم الصدقة.

5ـ وفي المحبة، قال تعالى: (فاتبعوني يحببكم الله)(38) وقال : " قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى)(39).

وذكر السيد أبو بكر شهاب الدين في كتابه " رشفة الصادي... " في الباب الأول ص 24: عن جماعة من المفسرين رووا عن ابن عباس، والنقاش عن الكلبي: سلام على آل ياسين، أي: آل محمد.

ورواه أيضا في الباب الثاني: ص34.

وذكر الإمام الفخر الرازي في التفسير الكبير ج 7 ص 163 في تفسير الآية الكريمة: (سلام على آل ياسين) وجوها... الوجه الثاني: إن آل ياسين هم آل محمد(40).

فجواز الصلاة والتسليم على آل محمد، أمر متفق عليه بين الفريقين(41).

الصلاة والسلام على الآل السنة

روى البخاري في صحيحه ج 3.

ومسلم في صححه ج 1.

والعلامة القندوزي في ينابيع المودة ص 227 نقلا عن البخاري، وابن حجر في الصواعق المحرقة: في الباب الحادي عشر، الفصل الأول، الآية الثانية.

كلهم رووا عن كعب بن عجرة، قال لما نزلت هذه الآية، قلنا: يا رسول الله! قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟

فقال: قولوا اللهم صل على محمد وعلى وآل محمد... إلى آخره.

قال ابن حجر: وفي رواية الحاكم، فقلنا: يا رسول الله! كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟

قال: قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد... إلى آخره.

قال ابن حجر: فسؤالهم بعد نزول الآية: (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) وإجابتهم بـ: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد... إلى آخره، دليل ظاهر على أن الأمر بالصلاة على أهل بيته وبقية آله مراد من هذه الآية، ولم يسألوا عن الصلاة على أهل بيته وآله عقب نزولها ولم يجابوا بما ذكر، فلما أجيبوا به دل على أن الصلاة عليهم من جملة المأمور به... إلى آخر كلامه في " الصواعق " فراجع.

وروى الإمام الفخر الرازي في ج6 من تفسيره الكبير ص 797: لما سأله الأصحاب: كيف نصلي عليك؟

قال (ص) قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، بارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

وروى ابن حجر في الصواعق ص 87: قال (ص): لا تصلوا علي الصلاة البتراء.

فقالوا: وما الصلاة البتراء؟

قال (ص): تقولون: اللهم صل على محمد وتمسكون، بل قولوا: اللهم صل على محمد وعلى لآل محمد(42).

قال: وقد أخرج الديلمي أنه (ص) قال: الدعاء محجوب حتى يصلي على محمد وأهل بيته، اللهم صل على محمد وآله.

ولابن حجر بحث مفصل ينقل آراء علمائكم وفقهائكم في وجوب الصلاة والسلام على آل محمد (ص) في التشهد في الصلوات اليومية، ثم يقول: وللشافعي رضي الله عنه:

يا أهل بيت رسول الله حبكم فرض من الله في القرآن أنزله
كفاكم من عظيم القدر أنكم من لم يصل عليكم لا صلاة له
وقد بحث الموضوع السيد أبو بكر بن شهاب الدين في كتابه رشفة الصادي، الباب الثاني: ص 29 ـ 35، ونقل دلائل في وجوب الصلاة والسلام على آل محمد في الصلاة اليومية عن النسائي والدار قطني وابن حجر والبهيقي وأبي بكر الطرطوسي وأبي اسحاق المروزي والسمهودي والنووي والشيخ سراج الدين القصيمي.

ونظرا لضيق الوقت ورعاية لحال الحاضرين أكتفي بهذا المقدار، أكتفي بهذا المقادير، وأترك الموضوع للعلماء الحاضرين حتى يفكروا ويراجعوا وجدانهم وضمائرهم، ثم يحكموا فيه وينصفوا. وبعد هذا كله ستصدقونني حتما وتقبلون بأن الصلاة والسلام على آل محمد ليست بدعة، وإنما هي عبادة وسنة أمر بها النبي الكريم (ص)، ولا ينكر هذا إلا الخوارج والنواصب المعاندون، خذلهم الله، حيث دلسوا على إخواننا العامة، وألبسوا عليهم الحق والحقيقة.

ومن الواضح أن الذين أمر النبي (ص) أن تقرن أسمائهم مع اسمه الشريف، ويصلي ويسلم عليهم في الصلوات اليومية مقدمون على غيرهم في الفضل والشرف.

ومن السفاهة والجهل والتعصب والعناد أن نرجح الآخرين عليهم.

والآن أشاهد آثار التعب والنعاس تبدوا على كثير من الإخوان، لذلك أنهي المجلس وأنتظر قدومكم في الليلة الآتية إن شاء الله.

فقام القوم وانصرفوا وشيعتهم إلى باب الدار.