وقد كتب ابن البيع أن البخاري روى في صحيحه عن ألف ومئتين خارجي وناصبي من قبيل عمران بن حطان(21).
وإني أتعجب وأتأسف من رأي بعض أعلامكم إذ يرون بأن أتباع الأئمة الأربعة مسلمين مؤمنين، ولكن شيعة آل محمد وأتباع الإمام جعفر الصادق (ص) كفرة ومشركين، فيفترون على طائفة كبيرة من المسلمين وعددا كثيرا بالكفر والشرك. فلو قسنا الشيعة بأتباع كل مذهب من المذاهب الأربعة من أهل السنة لوحدهم فالشيعة هم الأكثر، فإن أتباع الإمام الصادق (ع)، أكثر من أتباع محمد بن إدريس وهكذا لو قسناهم مع أتباع أبي حنيفة لوحدهم وأتباع أحمد بن حنبل لوحدهم، لوجدنا شيعة الإمام الصادق (ع) أكثر عددا، وإني أعلن بأننا نحن الشيعة ندعوا إخواننا السنة إلى التقارب والوحدة ونبرأ إلى الله تعالى من التنافر والتفرقة.
الحافظ: إني أؤيد كثيرا من كلامك وأعترف بأن هناك بعض التعصبات حاكمة على كثير من أهل السنة، ولكن لو تحققنا عن الأسباب لعرفناها ترجع إليكم، لأنكم أنتم ـ علماء الشيعة ومبلغيهم ـ لا ترشدون عوام الشيعة إلى الحق ولا تنهونهم عن الباطل، فهم يتكلمون بكلمات تنتهي إلى الكفر والشرك.
قلت: أرجوك أن توضح لي كلامك وتبين لي أمثالا من كلام عوام الشيعة الذي ينتهي إلى الكفر!!
مطاعن الشيعة في الصحابة وزوجات النبي (ص)
الحافظ: مما لاشك فيه أن المطاعن التي تروونها على الصحابة المقربين لرسول الله وبعض زوجاته الطاهرات رضي الله عنهم كفر صريح، إذ أن هؤلاء الصحابة هم الذين جاهدوا في سبيل الله وقاتلوا الكفار تحت راية النبي وقد قال سبحانه فيهم: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة)(22) فالذين يعلن الله تعالى رضاه عنهم، ورسول الله يكرمهم ويحترمهم ويحدث عن فضائلهم، وهو كما قال سبحانه في سورة النجم (وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى)(23).
فالطعن فيهم إنكار للقرآن والنبي، وهو كفر، والمنكر كافر.
قلت: إني لا أحب أن يخوض في هكذا مسائل فالرجاء أن تترك هذا السؤال ولا تطالبني بالجواب في حضور هذا الجمع، بل أجتمع بك وحدك وأعطيك الجواب.
الحافظ: الحقيقة، إن هذا السؤال والموضوع مطروح من قبل الجماعة الذين معي لأنهم ألحوا علي وأكدوا في الليلة الماضية حينما انتهينا من البحث وخرجنا إلى البيت، على أن أطرح هذا البحث فكلهم يحب أن يسمع جوابكم.
النواب: صحيح يا مولانا كلنا نحب أن نسمع جواب هذا السؤال.
قلت: إني أتعجب من جنابكم وما كنت أتوقع طرح هذا السؤال، مع ما بيناه في الليالي الماضية وأوضحنا لكم معنى الكفر والشرك وأثبتنا بأن الشيعة سائرون في طريق أهل البيت (ع)، وتابعون لآل محمد (ص)، وهم المؤمنون حقا.
وأما الموضوع الذي طرحه جناب الحافظ، فهو ذو جهات، وليس موضوعا واحدا، ولابد لي أن أبسطه وأشرحه، حتى يعرف الحاضرون حقيقة الأمر ويقضوا بالحق، وحتى نزول الشبهات الواقعة في نفوسهم ضد الشيعة.
سب الصحابة لا يوجب الكفر
أما قول الحافظ: بأن سب الصحابة والطعن فيهم ولعنهم، ولعن بعض زوجات النبي (ص) من قبل الشيعة موجب لكفر الشيعة، فهو حكم غريب! ولا أدري بأي دليل من القرآن والسنة النبوية صدر هذا الحكم؟!!
فإن بيان الطعن وكذلك السب واللعن إذا كان مستندا إلى دليل وبرهان فلا إشكال فيه(24).
وإن كان من غير دليل وبرهان فهو فسق، حتى إذا كان على أصحاب النبي (ص) وزوجاته(25) وهذا رأي بعض أعلامكم كابن حزم حيث يقول في كتابه " الفصل ج3/257 ".
وأما من سب أحدا من الصحابة (رض)، فإن كان جاهلا فمعذور، وإن قامت عليه الحجة فتمادى غير معاند فهو فاسق، كمن زنى وسرق وإن عاند الله تعالى في ذلك ورسوله (ص) فهو كافر، وقد قال عمر (رض) بحضرة النبي (ص) عن حاطب، وحاطب مهاجر بدري: دعني أضرب عنق هذا المنافق!
فما كان عمر بتكفيره حاطبا كافرا، بل كان مخطئا متأولا... الخ.
وقد أفرط أبو الحسن الأشعري [ وهو إمامكم في مثل هذه المسائل ] فإنه يرى: إن من كان في الباطن مؤمنا وتظاهر بالكفر، فهو غير كافر، حتى إذا سب الله ورسوله (ص) من غير عذر بل حتى إذا خرج لحرب النبي! [ والعياذ بالله ].
ويستدل على ذلك بأن الكفر والإيمان محلهما في القلب وهما من الأمور الخفية الباطنية، فلا يمكن لأحد أن يطلع على باطن الإنسان وما في قلبه إلا الله سبحانه(26)!!
فكيف يكفر جناب الحافظ وأمثاله، شيعة آل محمد (ص) لمجرد سبهم بعض الصحابة وبعض زوجات النبي؟
مع العلم بأن كثيرا من علمائكم وأعلامكم السابقين ردوا هذا الحكم الجائر ونسبوا قائليه إلى الجهل والتعصب. وحكموا بأن الشيعة مسلمون مؤمنون.
منهم القاضي عبدالرحمن الايجي الشافعي في كتابه المواقف، رد كل الوجوه التي بينها بعض المتعصبين من أهل السنة في تكفير الشيعة وأثبت بطلانها.
ومنهم الإمام محمد الغزالي، صرح بأن سب الصحابة لا يوجب الكفر ، حتى سب الشيخين ليس بكفر.
ومنهم سعد الدين التفتازاني في كتابه شرح العقائد النسفية، تناول هذا البحث بالتفصيل وخرج إلى أن ساب الصحابة ليس بكافر.
ثم إن أكثر مَن كتب مِن أعلامكم في الملل والنحل وكتب في المذاهب الإسلامية: عد الشيعة من المسلمين وذكرهم في عداد المذاهب الإسلامية الأخرى.
منهم العلامة بن الأثير الجزري في كتابه جامع الأصول، ومنهم الشهرستاني في كتابه الملل والنحل.
ومما يذكر في عدم كفر الساب لبعض صحابة رسول الله (ص) أن أبا بكر قد سبه أحد المسلمين وشتمه فما أمر بقتله، كما جاء في مستدرك الحاكم النيسابوري ج4/355 أخرج بسنده عن أبي برزة الأسلمي (رض) قال: أغلظ رجل لأبي بكر الصديق (رض) فقلت: يا خليفة رسول الله ألا أقتله؟! فقال: ليس هذا إلا لمن شتم النبي (ص).
وأخرجه الإمام أحمد في المسند ج1/9 بسنده عن ثوية العنبري قال: سمعت أبا سوار القاضي يقول: عن ابن برزة الأسلمي قال: أغلظ رجل لأبي بكر الصديق (رض) قال: فقاق (رض) قال: فقال أبو برزة: ألا أضرب عنقه؟
قال فانتهره وقال: ما هي لأحد بعد رسول الله.
ورواه الذهبي في تلخيص المستدرك، والقاضي عياض في الشفاء ج4/ الباب الأول، والإمام الغزالي في إحياء العلوم ج2.
فإذا كان الأمر كذلك، إذ يسمع الخليفة من رجل السباب والشتم ولا يحكم بكفر ولا يقتله.
فلماذا أنتم علماء تغوون أتباعكم العوام وتكفرون الشيعة عندهم بحجة أنهم يسبون الصحابة ويشتمون الخلفاء، ثم تبيحون لهم قتل الشيعة المؤمنين!!
وإذا كان سب صحابة الرسول (ص) موجبا للكفر، فلماذا لا تحكمون بكفر معاوية وأتباعه الذين كانوا يسبون ويلعنون أفضل صحابة رسول الله وأعلمهم وأروعهم، ألا وهو أمير المؤمنين وسيد الوصيين وإمام المتقين علي بن أبي طالب (ع) ؟!
وإذا كان سب الصحابة يوجب الكفر، فلماذا لا تكفرون عائشة ـ أم المؤمنين ـ إذا كانت تشتم عثمان وتحرض أبناءها على قتله فتقول: اقتلوا نعثلا فقد كفر؟!
كيف تحكمون في موضوع واحد بحكمين متناقضين؟!
فإذا سب أحد الشيعة ولعن عثمان، تكفروه وتحكمون بقتله. ولكن عائشة التي كفرت عثمان وحرضت المسلمين على قتله تكون عندكم محترمة ومكرمة!! فما هذا التهافت والتناقض؟!
النواب: ما معنى نَعْثَل؟ ولماذا كانت أم المؤمنين تسمي عثمان بنعثل؟
قلت: معنى نعثل ـ كما قال الفيروز آبادي [ وهو من أعلامكم ] في القاموس ـ معناه: الشيخ المخرف.
وقال العلامة القزويني في شرحه على القاموس: ذكر ابن حجر في كتابه تبصرة المنتبه: أن نعثل يهودي كان بالمدينة هو رجل لحياني يشبّه به عثمان.
نرجع إلى بحثنا، فأقول:
إذا كان سب الصحابة يلزم منه الكفر، فإن أول من بدأ بالسب هو أبو بكر لما سب الإمام علي بن أبي طالب (ع) على المنبر في المسجد، وعلي هو أفضل الصحابة وأقربهم إلى رسول الله (ص) وأعظمهم قدرا وأكبرهم شأنا عند الله عز وجل.
ومع ذلك أنتم لا تقبحون عمل أبي بكر، بل تكرموه وتعظموه!!
الحافظ: هذا افتراء وكذب منكم على الصديق، فإن أبا بكر أجل وأكرم من أن يسب عليا كرم الله وجهه، وما سمعنا بهذا إلا منكم، وأنا على يقين بأن الصديق بريء من هكذا أفعال وأعمال قبيحة.
قلت: لا تتسرع في الحكم ولا تتهمني بالكذب والافتراء وقد ثبت لديكم بأني لا أتكلم بغير دليل وبغير شاهد من كتبكم ولكي تعرف صدق كلامي وتعلم بأن أبا بكر ارتكب هذا العمل القبيح فراجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 /214 و 215 ط. إحياء التراث العربي، قال:
فلما سمع أبو بكر خطبتها [ أي خطبة سيدة النساء فاطمة (ع) ] شق عليه مقالتها فصعد المنبر و قال أيها الناس......
إنما هو[ أي علي (ع) ] ثعالة شهيده ذنبه، مرب لكل فتنة هو الذي يقول كروها جذعة بعد ما هرمت، يستعينون بالضعفة و يستنصرون بالنساء كأم طحال أحب أهلها إليها البغي(27).
فإذا حكمتم بكفر من سب أحد الصحابة، فيلزم أن تحكموا بكفر أبي بكر وبنته وعائشة، وكذلك معاوية وأنصاره وتابعيهم، وإذا لم تحكموا بكفر هؤلاء لسبهم ولعنهم عليا (ع) فيلزم أن تعمموا الحكم ولا تكفروا الشيعة الموالين للعترة الهادية (ع) لسبهم بعض الصحابة.
كما أفتى وحكم كثير من فقهائكم وعلمائكم بأن الساب للصحابة غير كافر ولا يجوز قتله وذلك باستناد الخبر الذي رواه أحمد ابن حنبل في مسنده ج3، والقاضي عياض في كتاب الشفاء ج4 الباب الأول، وابن سعد في كتاب الطبقات ج5 /279 أخرج بسنده عن سهيل بن أبي صالح أن عمر بن عبد العزيز قال: لا يقتل أحد في سب أحد إلا في سب نبي.
واستنادا على ما مر من الخبر الذي نقلناه عن الحاكم النيسابوري في مستدركه ج4/355، وأخرجه أحمد في مسنده ج1/9 كلاهما عن أبي برزة الأسلمي قال: أغلظ رجل لأبي بكر، فقال أبو برزة: ألا أضرب عنقه؟ فانتهره ـ أبو بكر ـ وقال: ما هي لأحد بعد رسول الله (ص).
احترام النبي (ص) لأصحابه
وأما قول الحافظ: بأن النبي (ص) كان يحترم أصحابه ويكرمهم.
فلا ننكر ذلك... ولكن العلماء أجمعوا على أن احترام النبي للناس كان بسبب أعمالهم حتى أنه كان (ص) يقدر ويحترم عدل كسرى، و جود حاتم وهما كافران، فكان يحترمهما للعدل والجود.
وربما غضب (ص) على أحد أصحابه لذنب ارتكبه وقبيح فعله.
فاحترام النبي وتكريمه لأي شخص من الصحابة لا يدل على حسن عاقبة ذلك الشخص ولا يدل على أنه مورد احترام رسول الله (ص) إلى الأبد، بل يكون احترامه وتكريمه للأشخاص مرهونا بأعمالهم، فما داموا محسنين فهو يحترمهم، وإذا عصوا الله سبحانه وخالفوه ترك احترامهم وغضب عليهم.
فكان رسول الله (ص) يحترم أصحابه قبل أن يصدر منهم ذنبا أو خلافا لأن عقاب المجرم وإهانته قبل أن يرتكب جرما، يكون قبيحا وخلافا للعقل والشرع.
كما أن سيدنا الإمام علي (ع) كان يعلم بعلم من الله سبحانه وإخبار من رسول الله (ص) بأن ابن ملجم المرادي قاتله وكان (ع) يخبر أصحابه وشيعته بذلك، ولكن تركه وشأنه، فلم يسجنه ولم يحاصره ولم يضيق عليه، ولما أشار عليه بعض الناس أن يقتل ابن ملجم، قال (ع): لا يجوز القصاص قبل الجناية.
وروى ابن حجر في الصواعق المحرقة ص 80 في أواخر الفصل الخامس من الباب التاسع:
أن عليا جاءه ابن ملجم يستحمله فحمله، ثم قال رضي الله عنه: أريد حياته ويريد قتلي غديري من خليلي من مرادي ثم قال: هذا والله قاتلي!
رضا الله سبحانه عن الصحابة
وأما قول الحافظ: إن الله سبحانه أعلن رضاه عن أصحاب نبيه، فالطعن فيه إنكار لرضا الله عز وجل، وهذا كفر!
أقول في جوابه: نحن لا ننكر بأن الله تعالى أعلن رضاه عن الصحابة في بيعة الرضوان بقوله سبحانه:
(لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة)(28).
ولكن نقول ما قاله العلماء المحققون: بأن الآية الكريمة لا تتضمن رضا الله سبحانه عن المؤمنين ـ الذين اجتمعوا تحت الشجرة ـ على جميع أعمالهم إلى آخر حياتهم.
إنما عنت الآية الشريفة رضا الله عز وجل عن المؤمنين بمبايعتهم النبي الكريم (ص) تحت الشجرة ـ البيعة المعروفة ببيعة الرضوان ـ والتاريخ يشهد بأن كثيرا من أولئك المبايعون نزلت فيهم آيات النفاق بعد تلك البيعة وانضموا مع المنافقين وأصبحوا من الخاسرين.
فرضا الله سبحانه ما تعلق بهم لأنهم أصحاب النبي (ص)، بل تعلق رضاه بهم لأنهم كانوا مؤمنين بالله ورسوله ورضاهما بهم ما داموا مؤمنين، فإذا خرجوا من الإيمان وارتدوا، فرضا الله العزيز ينقلب إلى غضبه عليهم ـ نعوذ بالله من غضبه ـ والشيعة يحمدون كل عمل حسن صدر من إنسان وخاصة أصحاب رسول الله (ص)، ويقدحون كل عمل قبيح صدر من أي شخص سواء أكان صحابيا أو غير صحابي، فإن أصحاب رسول الله (ص) ما كانوا معصومين وقد صدر من بعضهم أعمال غير حميدة ومعاصي عديدة.
الحافظ: إن هذا القول افتراء على الصحابة!
فنحن لا نعتقد بعصمتهم، لكن النبي (ص) قال فيهم: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم.
وقد أجمع المسلمون على صحة هذا الحديث الشريف إلا أنتم الشيعة.
أصحابي كالنجوم!
قلت: أترك النقاش حول سند الحديث و صحته أو سقمه، وأبدأ معك في مدلوله حتى لا نبتعد عن صلب الموضوع والبحث الذي نحن فيه.
فأقول: أولا: اتفق المسلمون وأجمعوا على أن كل من أدرك رسول الله (ص) وسمع حديثه فهو صحابي، سواء أكان من المهاجرين أم الأنصار، أم من الموالين وغيرهم.
ومن الخطأ أن نحسب كل أولئك هادين مهديين، لوجود المنافقين بينهم والفاسقين، وذلك ثابت بالنص الصريح في القرآن الحكيم(29).
حتى أن التاريخ يحدثنا بأن جماعة من أصحاب النبي (ص) الذين كانوا يتظاهرون بحبه وطاعته، تآمروا عليه عند رجوعه من غزوة تبوك وأرادوا قتله في بطن عقبة في الطريق، إلا أن الله تعالى عصم رسول الله (ص) من كيد أولئك الأشرار المنافقين.
الحافظ: لقد روى قضية العقبة جماعة من علماء الشيعة وهي عند علمائنا غير ثابتة.
قلت: انك قلت رهجا وذهبت عوجا، فإن قضية العقبة اشتهرت بين المؤرخين والمحدثين حتى ذكرها كثير من أعلامكم: منهم الحافظ أبو بكر البيهقي الشافعي، في كتابه دلائل النبوة، ذكرها مسندا، ومنهم احمد بن حنبل في آخر الجزء الخامس من مسنده عن أبى الطفيل، ومنهم ابن أبي الحديد في شرحه على نهج البلاغة، حتى لعن رسول الله (ص) في تلك الليلة جماعة من أصحابه وهم المتآمرون عليه والقاصدون قتله.
مؤامرة لقتل النبي (ص)
النواب: أرجوك أن تبين لنا قضية العقبة وقصة المتآمرين على قتل النبي الكريم ولو باختصار.
قلت: ذكر علماء الفريقين: أن جماعة من المنافقين الذين كانوا حول النبي (ص) تآمروا على قتله عند رجوعه من غزوة تبوك.
فهبط جبرئيل على رسول الله (ص) وأخبره بتآمر القوم وأعلمه بمكان اجتماعهم وحذره من كيدهم، فبعث النبي (ص) حذيفة بن اليمان على المكان ليعرفهم، فرجع حذيفة وذكر للنبي (ص) أسماء المتآمرين فكانوا أربعة عشر نفرا، سبعة من آل أمية.
فأمر النبي (ص) حذيفة بكتمان الأمر وكتمان أسمائهم.
وأما مكان المؤامرة المدبرة.. فقد كانت عقبة خطرة في الطريق، وكانت رفيعة وضيقة بحيث لا يتسع إلا لعبور راكب واحد فحمل المنافقون دبابا كثيرة على الجبل الذي يعلو تلك العقبة وكمنوا هناك ليدحرجوها عند وصول ناقة رسول الله (ص) إلى تلك النقطة الخطرة، حتى تنفر الناقة من أصوات الدباب المدحرجة فيسقط النبي (ص) عن ظهرها إلى عمق الوادي فيتقطع ويموت ويضيع دمه، كل ذلك يتم في سواد الليل.
أما النبي (ص) عند عبوره من تلك العقبة أمر بن ياسر أن يأخذ بخطام الناقة ويقودها، وأمر أيضا حذيفة بن اليمان ليسوقها فلما دحرج القوم الدباب وأرادت الناقة أن تنفر صاح النبي (ص) عليها فسكنت وقرت، وانهزم المنافقون وتواروا.
وهكذا عصم الله سبحانه نبيه (ص) وفضح أعداءه، نعم إنكم تعدون هؤلاء المنافقين من أصحاب النبي (ص)، فكيف يمكن أن نقول بأن الاقتداء بهم جائز، أو نعتقد بعدالتهم وأنهم هداة مهديون؟!
صحابة ولكن كاذبون
ثانيا: هذا أبو هريرة الكذاب ـ وقد أشرنا في بعض المجالس السابقة إلى تاريخه الأسود من كتبكم، وأثبتنا بأن عمر بن الخطاب ضربه بالسياط حتى أدماه، لأنه كان يكذب كثيرا على رسول الله في نقله الأحاديث المجعولة عنه (ص).
أما كان أبو هريرة من أصحاب رسول الله (ص)؟
وكذلك سمرة بن جندب الكذاب الفاسق وغيره من الذين كانوا يفترون على النبي (ص) وينقلون عنه أحاديث ما كان فاه بها أبدا!!
وهم يعدون من أصحابه (ص).
فهل من المعقول أن يسمح النبي (ص) لأمته أن يتبعوا الكاذبين ويأخذوا دينهم عنهم؟!
ثم إذا كان هذا الحديث.. " أصحابي كالنجوم الخ " "، صحيحا فما تقولون لو اختلف صحابيان في حكم وتنازعا في أمر، أو قاتلت طائفتان من الصحابة ـ كما حدث بعد النبي (ص) ـ فالحق مع من؟
وفي متابعة أي الفريقين تكون السعادة والنجاة؟!
الحافظ: نستمع قول كل واحد منهما فمن كانت دلائله أقوى وحجته أعلى فنتبعه.
قلت: إذن صاحب الدلائل القوية والحجة العلية يكون صاحب الحق ومخالفه يكون على باطل! فحينئذ لا اعتبار لحديث " أصحابي كالنجوم " وهو ساقط عقلا ، لأن الهداية لا تحصل في الاقتداء بالباطل.
بمن نقتدي في خلافة السقيفة؟
ثالثا: اذا كان هذا الحديث ـ أصحابي كالنجوم ـ صحيحا، فلماذا تطعنون في الشيعة وتحكمون عليهم بالخروج عن الدين ورفض الحق عندما اقتدوا في عدم قبول خلافة أبي بكر وبطلان السقيفة بعدد من الصحابة المقربين للنبي (ص) كسلمان وأبي ذر وعمار والمقداد وأبي أيوب الأنصاري وحذيفة بن اليمان وخزيمة ذي الشهادتين وغيرهم ممن كان النبي (ص) يحترمهم ويكرمهم ويشاورهم في أمور العامة كالحرب والصلح وما شابه ذلك بل نجد في كتبكم ومسانيدكم المعتبرة أحادث كثيرة عن رسول الله (ص) في فضل كثير منهم وقد ذكرنا بعضها في المجالس السابقة وكما ذكرنا احتجاجهم ودلائل مخالفتهم لرأي السقيفة وخلافة أبي بكر.
فإذا كان حديث أصحابي كالنجوم صحيحا، فلماذا تسمون الشيعة بالرافضة ولماذا تحكمون على مذهبهم بالبطلان؟!
أما كان سعد بن عبادة من كبار الصحابة وسادات الأنصار؟ وهو بإجماع المؤرخين والمحدثين ما بايع أبا بكر وخالف خلافته حتى قتل على عهد الخليفة الثاني عمر، وسعد ما بايع عمر أيضا.
فالحديث يصرح بأن الاقتداء به ـ وهو مخالفة أبي بكر وعمر ورفض خلافتهما ونسبتهما إلى الظلم والغصب والبطلان ـ صحيح وفيه الهداية والسعادة.
انحراف بعض الصحابة
رابعا: لا أظن أحد المؤمنين ينكر انحراف بعض الصحابة وخروجهم على الحق وميلهم عن الصراط المستقيم، وذلك بقتالهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وهو إذ ذاك ـ حسب قولكم ـ كان الخليفة الرابع وآخر الخلفاء الراشدين الذين بايعه أهل الحل والعقد، وأجمعوا على خلافته، فنكث بعض الصحابة بيعته وخالفه آخرون ، حتى أعلنوا عليه الحرب وقادوا الجيوش لقتاله.
فهذا طلحة والزبير وهما من أصحاب بيعة الرضوان، قد أخرجوا معهما عائشة زوجة رسول الله (ص) إلى البصرة وكانت بسببهم وقعة الجمل التي قتل فيها ألوف المسلمين وسفكت دماء المؤمنين.
وهذا معاوية وابن العاص، سببا معركة صفين، وكم زهقت فيها نفوس المؤمنين وأريقت دماء المسلمين.
أفهل كانوا هؤلاء الذين نكثوا البيعة ونقضوا العهد وشقوا عصا المسلمين وأوقعوا فيهم الخلاف والشقاق وعملوا لصالح أهل الكفر والنفاق، هل كانوا على الهداية والحق أم كانوا على الباطل والضلال؟!
وقد أجمع العلماء والمحققون وأئمة المسلمين على أن عليا (ع) مع الحق والحق مع علي وهو قول النبي (ص) فيه، فكل من خالفه يكون على باطل، ولو كان من الصحابة وحتى إذا كانت عائشة زوجة رسول الله (ص)(30).
وأما معاوية وابن العاص والوليد بن عقبة ومروان وحزبهم الذين سنوا لعن الإمام علي (ع) وسبه على منابر الإسلام وفي خطب الجمعات وحتى في قنوت الصلوات، مع علمهم بقول النبي (ص):
من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله تعالى(31).
أ فهل مع كل هذا تقولون بأن الاقتداء بهؤلاء الفسقة المنافقين والفجرة المضلين هدى ونجاة؟!
ضعف سند حديث ((أصحابي كالنجوم))
خامسا: إضافة على إباء العقل السليم من قبول هذا الحديث وتصحيحه لما ارتكبه بعض الصحابة بعد رسول الله (ص) من الظلم الفاحش والجرم المبين، ومخالفتهم لكتاب الله العزيز وسنة نبيه الكريم، مضافا إلى ذلك فقد رد كثير من أعلامكم سنده وضعفوا رجاله.
منهم القاضي عياض بعدما ذكر الحديث في كتابه شرح الشفاء ج2/91 ذكر بأن الدار قطني وابن عبدالبر قالا بعدم حجية سنده، فالحديث مردود عندهما، وذكر بأن عبد ابن حميد ذكر في مسنده عن عبدالله بن عمر، وعن البزاز: بأنهما أنكرا هذا الحديث وأعلنا عدم صحته.
ونقل ابن عدي في الكامل بإسناده عن نافع عن عبدالله بن عمر أنه ضعّف الحديث ولم يؤيده.
ونقل عن البيهقي أنه قال: سند الحديث ضعيف، وإن كان نصه مشتهرا بين الناس. انتهى كلام القاضي عياض.
وحيث نجد في سند الحديث الحارث ابن غضين وهو مجهول، وحمزة بن أبي حمزة النصيري وهو متهم عند المحققين بالكذب وجعل الحديث، فالحديث مردود وملغي يجب تركه.
وابن حزم أيضا رد الحديث وقال فيه: إنه موضوع وباطل.
هل تلتزمون بعصمة الصحابة؟
والجدير بالذكر... إنكم لا تلتزمون بعصمة الأنبياء بل وكثير منكم يعتقد بإمكان صدور الخطأ من سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد (ص) ومع ذلك يتعصب لهذا الحديث الموضوع!!
وينكر على الشيعة إذا انتقدوا الصحابة وناقشوا في أفعالهم، وما صدر منهم بعد النبي (ص) من الحروب والفتن التي أشعلوا نيرانها وأحرقوا بها المؤمنين الأبرياء و المسلمين الأتقياء!
الحافظ: نحن لا نعتقد بعصمة أصحاب رسول الله (ص) ولكن نلتزم بعدالتهم ولذلك نقول: كلما صدر منهم كان عن عدالة ونية صحيحة حقة، فإنهم أرادوا إحقاق الحق، فلذلك يؤجرون عليه ولا يؤاخذون عليهم.
قلت: ولكن الأخبار التي نقلها كثير من أعلامكم تكشف أن كثيرا من الصحابة كانوا يعصون الله سبحانه وكانوا يتبعون الهوى ويميلون إلى الدنيا.
الحافظ: لم نسمع بهذا القول قبل اليوم، فالرجاء بين لنا تلك الأخبار.
صحابي يشرب الخمر!
قلت: ذكر ابن حجر في كتابه فتح الباري ج10/30 قال: عقد أبو طلحة زيد بن سهل مجلس خمر في بيته ودعا عشرة أشخاص من المسلمين، فشربوا وسكروا، حتى أن أبا بكر أنشد أشعارا في رثاء قتلى المشركين في بدر!!
النواب: وهل ذكر أسماء المدعوين الحاضرين في ذلك المجلس؟
قلت: نعم يا حضرة النواب ذكرهم علماؤكم قالوا: إنهم كانوا:
1ـ أبا بكر بن أبي قحافة 2ـ عمر بن الخطاب 3ـ أبو عبيدة الجراح 4ـ أبي بن كعب 5ـ سهل بن بيضاء 6ـ أبو أيوب الأنصاري 7ـ أبا طلحة " صاحب البيت " 8ـ أبا دجانة سماك بن خرشة 9ـ أبا بكر بن شغوب 10 ـ أنس بن مالك، وكان عمره يومذاك 18 سنة فكان يدور في المجلس بأواني الخمر يسقيهم.
وروى البيهقي في سننه ج8/29 عن أنس أنه قال: وكنت أصغرهم سنا وكنت الساقي في ذلك المجلس!
فيقوم الشيخ عبدالسلام متعصبا ويقول: والله هذا الخبر من مفتريات أعدائنا، وجعل مخالفينا!
قلت ـ وأنا أتبسم ـ: لا تتهم أحدا بالجعل والافتراء ولا تحلف بالله عز وجل فإن كبار علماؤكم كتبوا هذا الخبر في صحاحهم ومسانيدهم منهم، البخاري في صحيحه، في تفسير الآية الكريمة: ( وإنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) (32).
ومسلم في صحيحه كتاب الأطعمة والأشربة / باب تحريم الخمر.
والإمام أحمد بن حنبل في مسنده ج 3 / 181 و 227.
وابن كثير في تفسيره ج2 / 93 و 94.
وجلال الدين السيوطي في تفسيره الدر المنثور ج2/321.
والطبري في تفسيره ج7/24 ـ وابن حجر العسقلاني في الاصابة ج4/22 ـ وفي فتح الباري ج10/84.
والبيهقي في سننه 286 و 290.
وغير هؤلاء كثير من أعلامكم الذين ذكروا خبر اجتماع المذكورين في مجلس الخمر!
الشيخ عبد السلام: ربما كان ذلك قبل تحريم الخمر!
قلت: حسب نزول آيات القرآن في بيان مضار الخمر وإثمها وتحريمها ، وحسب بعض المفسرين، نعرف أن بعض الصحابة وبعض المسلمين كانوا يشربون الخمر حتى بعدما حرمها الله!
نقل محمد بن جرير الطبري في تفسيره الكبير ج2/203 روى مسندا عن أبي القموس زيد بن علي، بأن الله سبحانه أنزل آيات عن الخمر ثلاث مرات، المرة الأولى أنزل: (يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما)(33).
ولكن المسلمين ما تركوا الخمر، حتى شربها إثنان من المسلمين فوقفا للصلاة وهما لا يشعران بما يقولان، فأنزل الله تعالى:
(يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون)(34).
ومع ذلك ما انتهى كثير من المسلمين وما امتنعوا من شرب الخمر!
إلى أن سكر أحد المسلمين يوما وأنشد أبياتا في رثاء قتلى المشركين يوم بدر [ حسب رواية البزار وابن حجر وابن مروديه كان ذاك السكران أبو بكر ](35).
فلما أخبر النبي (ص) غضب وجاء إليه وأراد أن يضربه بشيء كان في يده.
فقال الرجل: أعوذ بالله من غضب الله ورسوله، فوالله لا أشرب الخمر بعد يومي هذا. فأنزل الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون)(36).
والحاصل: إن الصحابة كسائر الناس والأصناف، فيهم الطيب المحسن والعاصي المسيء، منهم من أدرك برسول الله (ص) أعظم الدرجات العالية وسعد في الدنيا والآخرة بالطاعة والامتثال لأوامر النبي (ص) ومنهم من تبع الهوى وأطاع الشيطان واغتر بالدنيا فضل و أضل.
فنحن حينما نطعن في أحد الصحابة لابد وأن يكون لدينا دليل وبرهان نستند عليه، حتى أن كثيرا من تلك المطاعن إضافة على أنها مذكورة في كتبكم المعتبرة فهي مصدقة بشواهد من القرآن الحكيم، وإن كان عندكم رد معقول ومقبول على ما نطعن به على بعض الصحابة فأتوا به حتى نوافقكم ونترك الطعن، وإذا لم يكن عنكم رد، فأقبلوا قولنا واتركوا التهجم على الشيعة بأنهم يطعنون في الصحابة والخلفاء، وإذا سمعتم منا بأنا نقول: إن بعض الصحابة أو بعض الخلفاء قاموا بأعمال قبيحة وأفعال غير حميدة، فطالبونا بالشواهد والدليل حتى نوضح ونبين لكم.
الحافظ: طيب... بين لنا كيف صدرت أعمال قبيحة وأفعال غير حميدة من بعض الصحابة وبعض الخلفاء، بين ذلك فان كان مستندا بدليل وبرهان فنحن أيضا نقبل منكم، ولسنا أهل تعصب وعناد.
قلت: أتعجب من جناب الحافظ محمد رشيد وسؤاله، بعدما بينا نماذج من جرائم بعض الصحابة ومعاصيهم فيسأل عن القبائح التي ارتكبها بعض الأصحاب والخلفاء!
فأذكر نموذجا واضحا في هذا الباب تلبية لطلب الحافظ محمد رشيد ولكي يزداد علما فأقول:
لقد اتفق أعلام الفريقين على أن أكثر الصحابة نقضوا العهد ونكثوا البيعة التي أمر الله تعالى بها في كتابه ونهى عن نقض العهد بقوله: (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها)(37).
ولقد لعن الناقضين في قوله تعالى:
(والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار)(38).
وكما حكم علماء الفريقين وأثبتوا أن نقض العهد من أكبر الذنوب والمعاصي، وخاصة إذا كان العهد والميثاق بأمر الله عز وجل وتبليغ حبيبه المصطفى محمد (ص) فنقض الصحابة لذلك العهد والميثاق من أقبح القبائح التي تؤخذ عليهم.
الحافظ: أي عهد هذا؟ وأي ميثاق أخذه الله على الصحابة، وبلغه النبي (ص) ثم نقضه الأصحاب؟ فالخبر في هذا الباب لا يكون إلا من مفتريات ومجعولات الشيعة، ونحن على علم واعتقاد بأن أصحاب رسول الله (ص) هم أجل وأكرم من نقض العهد الإلهي.
من هم الصادقون؟
قلت: لقد أكدت وكررت عليكم بأن الشيعة حيث يتبعون الأئمة الصادقين من العترة الهادية الطاهرة، فلا يكذبون ولا هم بحاجة في إثبات عقائدهم إلى جعل خبر، أو وضع حديث.
فعلماؤهم وعامتهم على حد سواء في هذا الأمر، وكلهم يتبعون الصادقين الذين أمر الله عز وجل بمتابعتهم بقوله:
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)(39).
وقد صرح كثير من أعلامكم أن المقصود من الصادقين في الآية الكريمة محمد المصطفى (ص) وعلي المرتضى (ع)، وممن صرح بذلك:
الثعلبي في تفسيره، وجلال الدين السيوطي في الدر المنثور، والحافظ أبو نعيم في " ما نزل من القرآن في علي "، والخطيب الخوارزمي في " المناقب "، والحافظ سليمان القندوزي الحنفي في ينابيع المودة / الباب 39، وشيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين، ومحمد بن يوسف الكنجي الشافعي في كفاية الطالب / الباب 62 عن تاريخ ابن عساكر...، هؤلاء كلهم قد اتفقوا على المقصود من الصادقين: النبي الكريم (ص) والإمام علي (ع).
وقال بعض بأن المقصود من الصادقين في الآية الشريفة هم رسول الله (ص) والأئمة من أهل بيته وعترته(40).
فالشيعة مع الصادقين، يتبعونهم ويطيعونهم ويحذون حذوهم، وما لم يكونا كذلك فليسوا بشيعة حقا.
فكن على يقين ـ أيها الحافظ ـ بأننا لا نقول شيئا في حوارنا ونقاشنا إلا ويكون مصدره ومستنده كتب أعلامكم وأقوال علمائكم، فإن يكن لكم اعتراض فاللازم أن تعترضوا على علمائكم الذين كتبوا تلك الروايات والأدلة!
الحافظ: لم أعهد أحدا من علمائنا الأعلام كتب: بأن الصحابة بعد رسول الله قد نقضوا عهدا أو نكثوا بيعة كانت عليهم في حضور النبي (ص) أو أخذها عليهم رسول الله (ص) فنكثوها.
نقض بعض الصحابة للعهود
قلت: لقد نقض بعض الصحابة عهودا أخذها منهم النبي (ص)، ولكنهم نقضوها في حياته أو بعد وفاته، وأهمها عهد الخلافة والولاية وبيعة يوم الغدير.
حديث الولاية في غدير خم
لقد اعترف جمهور علماء المسلمين من الفريقين: بأن النبي (ص) في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة الحرام في العام العاشر من الهجرة النبوية عند رجوعه من حجة الوداع إلى المدينة المنورة، نزل عند غدير في أرض تسمى " خم " وأمر برجوع من تقدم عليه وانتظر وصول من تخلف عنه، حتى اجتمع كل من كان معه (ص) وكان عددهم سبعين ألفا أو أكثر، ففي تفسير الثعلبي وتذكرة سبط ابن الجوزي وغيرهما: كان عددهم يومئذ مائة وعشرين ألفا وكلهم حضروا عند غدير خم.
فصعد رسول الله (ص) منبرا من أحداج الابل، وخطب فيهم خطب عظيمة ، ذكرها أكثر علماء المسلمين والمحدثين من الفريقين في مسانيدهم وكتبهم الجامعة، وذكر في شطر منها بعض الآيات القرآنية التي نزلت في شأن أخيه علي بن أبي طالب (ع)، وبين فضله ومقامه على الأمة، ثم قال:
معاشر الناس! ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى.
قال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه.
ثم رفع يده نحو السماء ودعا له ولمن ينصره ويتولاه فقال: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله.
ثم أمر (ص)، فنصبوا خيمة وأجلس عليا (ع) فيها وأمر جميع من كان معه أن يحضروا عنده جماعات وأفرادا ليسلموا عليه بإمرة المؤمنين ويبايعوه، وقال (ص): لقد أمرني ربي بذلك، وأمركم بالبيعة لعلي (ع).
ولقد بايع في من بايع أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير، فأقام ثلاثة أيام في ذلك المكان، حتى أتمت البيعة لعلي (ع)، حيث بايعه جميع من كان مع النبي (ص) في حجة الوداع، ثم ارتحل من خم وتابع سفره إلى المدينة المنورة.
الحافظ: كيف يمكن أن يقع هكذا أمر هام وعظيم ولكن العلماء الكبار لم يذكروه في كتبهم المعتبرة؟!