فقام ثلاثون رجلا وشهدوا، وكان إثنا عشر نفرا منهم ممن حضر بدرا، كلهم شهدوا لعلي (ع) وقالوا: نحن رأينا النبي (ص) يوم غدير خم وسمعناه يقول للناس: أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: نعم، قال (ص): من كنت مولاه فعلي مولاه إلخ.

ولم يشهد بعضهم وكتم منهم أنس بن مالك وزيد بن أرقم. فدعا عليهما الإمام علي (ع) فعمي زيد وأصيب أنس بالبرص في جبهته بين عينه لأن عليا (ع) قال: اللهم ارمه بيضاء لا تواريها العمامة(46).

فاحتجاج أمير المؤمنين (ع) بحديث الغدير على خصومه لإثبات خلافته وإمامته على الأمة، هو اكبر دليل على أن المقصود من كلمة المولى في حديث النبي (ص) الأولوية والتصرف في شئون الأمة والدولة الإسلامية.

وهنا علا صوت المؤذن لصلاة العشاء وانقطع كلامنا.

القرينة الرابعة

وبعدما انتهى القوم من صلاة العشاء وشربوا الشاي وتناولوا الفاكهة، ابتدأت بالكلام فقلت:

وأما القرينة الأخرى التي تدل على أن معنى المولى في كلام رسول الله (ص) يوم الغدير هو الأولية في التصرف في شئون الأمة والدولة، قوله (ص): ألست أولى بكم من أنفسكم؟، يشير صلوات الله وسلامه عليه إلى الآية الشريفة: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)(47).

فقال الحاضرون كلهم: بلى يا رسول الله! فقال حينئذ: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، فسياق الكلام واضح والمرام أوضح وهو تثبيت ولاية علي (ع) وأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم كما أن النبي أولى بهم.

الحافظ: لقد ذكر هذه الجملة بعض المحدثين وهم قليل فأكثر المحدثين وأعلامهم لم يذكروا بأن النبي (ص) قال: ألست أولى بكم من أنفسكم!

قلت: صحيح أن عبارات المحدثين وألفاظهم في نقل حديث الغدير وخطبة النبي (ص) في ذلك اليوم مختلفة،ولكن الذين ذكروا جملة " ألست أولى بكم من أنفسكم " عن لسان رسول الله غير قليلين، إضافة إلى جمهور علماء الشيعة ومحدثيهم وإجماعهم على ذلك. وأما أعلامكم الذين ذكروا هذه الجملة من حديث النبي (ص) وخطبته يوم الغدير فكثير منهم:

1ـ سبط ابن الجوزي في تذكرة خواص الأمة: ص 18.

2ـ أحمد بن حنبل في / المسند.

3ـ ابن الصباغ المالكي في / الفصول المهمة.

4ـ الحافظ أبو بكر البيهقي في / تاريخه.

5ـ أبو الفتوح العجلي في / الموجز في فضائل الخلفاء الأربعة.

6ـ الخطيب الخوارزمي في / المناقب / الفصل 14.

7ـ والعلامة الكنجي الشافعي في / كفاية الطالب / الباب الأول.

8ـ والعلامة القندوزي الحنفي في / ينابيع المودة / الباب 4.

نقله من مسند الإمام أحمد ومشكوة المصابيح وسنن ابن ماجة وحلية الأولياء للحافظ أبي نعيم ومناقب ابن المغازلي الشافعي وكتاب الموالات لابن عقدة، وكثير من أعلامكم غير من ذكرنا أسماءهم، كلهم ذكروا فيما رووا عن النبي (ص) يوم الغدير أنه قال: ألست أولى بكم من أنفسكم؟

فقالوا: بلى! قال: من كنت مولاه فعلي مولاه... الخ.

والآن لكي يتبرك مجلسنا أنقل لكم نص ما رواه إمام أصحاب الحديث أحمد بن حنبل في مسنده ج4 ص 281.

أخرج بسنده عن البراء بن عازب قال: كنا مع رسول الله (ص) في سفره فنزلنا بغدير خم ونودي فينا بالصلاة جامعة فصلى الظهر وأخذ بيد علي فقال: ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، قال: ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، فلقيه عمر بن الخطاب بعد ذلك، فقال له: هنيئا لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة.

رواه المير علي الهمداني الشافعي في مودة القربى / المودة الخامسة.

ورواه الحافظ القندوزي في ينابيع المودة / الباب الرابع.

ورواه الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء.

رووه مع اختلاف يسير في ألفاظه والمعنى واحد.

وروى ابن الصباغ المالكي في كتابه الفصول المهمة عن الحافظ أبي الفتح ما نصه، فقال (ص): أيها الناس! إن الله تبارك وتعالى مولاي وأنا أولى بكم من أنفسكم، ألا ومن كنت مولاه فعلي مولاه.

وروى ابن ماجة في سننه والنسائي في خصائصه في باب / ذكر قول النبي: من كنت وليه فهذا وليه(48).

أخرج بسنده عن زيد بن أرقم انه (ص).. فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟

قال: بلى نشهد، لأنت أولى بكل مؤمن من نفسه.

قال: فإني من كنت مولاه فهذا مولاه، وأخذ بيد علي عليه السلام.

ونقل ابن حجر خطبة النبي في يوم الغدير وذكر فيها قول النبي (ص) أنه قال: أيها الناس! إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه فهذا مولاه ـ يعني عليا ـ اللهم وال من والاه وعاد من عاداه / الصواعق المحرقة 25 / ط/ المطبعة الميمنية بمصر.

وأخرج الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي المتوفي 463 هجرية في تاريخه: ج8 / 290 / بسنده عن أبي هريرة أنه قال: من صام يوم ثمان عشر من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهرا، وهو يوم غدير خم لما أخذ النبي (ص) بيد علي بن أبي طالب فقال: ألست ولي المؤمنين؟

قالوا: بلى يا رسول الله.

قال: من كنت مولاه فعلي مولاه الخ(49).

أظن أنه يكفي ما ذكرناه في خصوص قول رسول الله (ص): " ألست أولى بكم من أنفسكم "؟ فلما أقروا له قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فهذه الجملة بعد ذلك الإقرار، دليل واضح على أن المراد من المولى الأولوية الثابتة للنبي (ص) بنص القرآن الحكيم.

القرينة الخامسة

لقد أثبت المؤرخون وسجل المحدثون أن حسان بن ثابت الأنصاري أنشأ أبياتا في محضر رسول الله (ص) يوم الغدير بعد أن نصب عليا بالخلافة والإمامة وشرح ذلك الموقف الخطير في شعره الشهير بمناسبة الغدير.

فقال له رسول الله (ص) كما ذكر سبط ابن الجوزي وغيره: يا حسان لا تزال مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا أو نافحت عنا بلسانك.

وقد ذكر ذلك كثير من أعلامكم منهم:

الحافظ ابن مردويه أحمد بن موسى المفسر والمحدث الشهير في القرن الرابع الهجري المتوفي سنة 352 في كتابه المناقب.

وصدر الأئمة الموفق بن أحمد الخوارزمي وفي المناقب والفصل الرابع من كتابه مقتل الحسين عليه السلام.

وجلال الدين السيوطي في كتابه " رسالة الأزهار ".

والحافظ أبو سعيد الخركوشي في " شرف المصطفى ".

والحافظ ابو الفتح النطنزي في الخصائص العلوية.

والحافظ جمال الدين الزرندي في نظم درر السمطين.

والحافظ أبو نعيم في ما نزل من القرآن في علي.

وشيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين / باب 12.

والحافظ أبو سعيد السجستاني في كتابه الولاية.

وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص /20.

والعلامة الكنجي الشافعي في كفاية الطالب / الباب الأول.

وغير هؤلاء الأعلام من علماء العامة ومؤرخيهم ذكروا عن أبي سعيد الخدري انه قال: أن حسان بن ثابت قام بعدما فرغ رسول الله (ص) من خطابه يوم الغدير ، فقال: يا رسول الله! أتأذن لي أن أقول أبياتا؟

فقال له النبي (ص): قل على بركة الله تعالى.

فصعد على مرتفع من الأرض وارتجل بهذه الأبيات:

يناديهم يوم الغدير نبيــهم بخـــم فاسمع بالرسول مناديا
وقال فمن مولاكم و وليكم فقالوا و لم يبدوا هناك التعاميا
إلهك مولانا و أنت ولينــا ولم تلف منا لك اليوم عاصـيا
فقال له قم يا علي فإننــي رضيتك من بعدي إماما و هاديا
من كنت مولاه فهذا وليـه فكونوا له أتباع صدق مـواليـا
هناك دعا اللهم وال وليـه و كن للذي عادى عليا معاديـا
فيتضح لكل منصف من هذه الأبيات: أن الأصحاب والحاضرين في يوم الغدير فهموا من حديث النبي (ص) وخطابه وعمله أنه (ص) نصب عليا (ع) إماما وخليفة على الناس، وأن رسول الله لم يقصد من كلمة المولى سوى الولاية الأولوية والتصرف في شئون العامة. فلذا صرح بذلك حسان في شعره بمسمع منه (ص) ومرأى:

فقال له قم يا علي فإننــي رضيتك من بعدي إماما و هاديا(50)

ولو كان النبي (ص) يقصد غير ما قاله حسان لأمر بتغير شعره ولكنه (ص) أيد شعر حسان وقال له: لا تزال مؤيدا بروح القدس. وفي بعض الأخبار: لقد نطق روح القدس على لسانك! وهذا البيت يؤيد ويصدق ما رواه الطبري في كتابه الولاية من خطبة النبي (ص) في يوم الغدير فقال فيما قال (ص):

اسمعوا وأطيعوا فإن الله مولاكم وعلي إمامكم ثم الإمامة في ولدي من صلبه إلى يوم القيامة.

معاشر الناس هذا أخي ووصيي و واعي علمي وخليفتي على من آمن بي وعلى تفسير كتاب ربي.

الذين نقضوا العهد

على أي تقدير، سواء تفسرون حديث رسول الله (ص) بما نفسره نحن الشيعة، أو بتفسيركم أنتم بأن النبي (ص) أراد من قوله: " من كنت مولاه فعلي مولاه " أي المحب والناصر، فمما لاشك فيه أن الأصحاب خالفوا عليا (ع) بعد رسول الله في قضية الخلافة وخذلوه ولم ينصروه، فنقضوا العهد الذي أخذه منه نبيهم في الإمام علي (ع)، وهذا لا ينكره أحد من أهل العلم والاطلاع من الفريقين.

فعلى تقدير معنى المولى وتفسيره بالمحب والناصر، وأن النبي يوم الغدير أمر أصحابه أن يحبوا عليا وينصروه. فهل هجومهم على باب داره وإتيانهم النار ، وتهديدهم بحرق الدار ومن فيها، وترويعهم أهل البيت الشريف، وإيذاؤهم فاطمة وأبناءها، وإخراجهم عليا من البيت كرها مصلتين سيوفهم عليه، يهددونه بالقتل إن لم يبايع أبا بكر، وضربهم حبيبة رسول الله وبضعته الزهراء حتى أسقطوا جنينها المحسن!!

فهل هذه الجرائم والجنيات التي ارتكبها كثير من الصحابة كان امتثالا لأمر النبي (ص) يوم الغدير؟! أم كان خلافا له وهل كل ما فعلوه من حين السقيفة وبعدها إلى السيدة فاطمة الزهراء (ع)، يوافق ما فسرتموه من معنى المولى؟ أم انبعثت وكشفت عن البغضاء والشحناء؟!

وهل هذه الأعمال الوحشية، كانت المودة التي فرضها الله على المسلمين لقربى رسول الله (ص)؟ ومن أقرب إلى رسول الله (ص) من فاطمة؟!

والله سبحانه يقول: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى )(51).

وأمرهم النبي (ص) بصلة أقربائه وأمرهم النبي (ص) أن يصلوا أقرباءه ولا يقطعوهم كما جاء في حلية الأولياء لأبي نعيم، وذكره الحمويني أيضا عن عكرمة عن ابن عباس كما نقله عنهما الحافظ سليمان القندوزي في ينابيع المودة / الباب الثالث والأربعون.

ونقله عن حلية الأولياء ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج9 / 170 / الخبر الثاني عشر / ط. دار إحياء التراث العربي:

قال رسول الله (ص): من سره أن يحيا حياتي، و يموت مماتي، و يسكن جنة عدن التي غرسها ربي، فليوال عليا من بعدي و ليوال وليه و ليقتد بالأئمة من بعدي، فإنهم عترتي، خلقوا من طينتي و رزقوا فهما و علما، فويل للمكذبين من أمتي القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي.

وكلهم عاهدوا رسول الله (ص) على مودة أهل بيته ولكنهم نقضوا العهد، وكأنهم ما سمعوا ولم يقرءوا كتاب الله العزيز حيث يقول: (والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار)(52).

فاتركوا التعصب واتبعوا الحق تسعدوا!

الحافظ: لا نسمح لكم أن تنسبوا صحابة رسول الله (ص) إلى نقض العهد والميثاق، وهم المجاهدون في سبيل الله والصابرون في سوح القتال والمتحملون ضربات السيوف وطعنات الرماح!!

كيف تجيزون أنفسكم أن تنسبوا أولئك المؤمنين والمجاهدين إلى نقض العهد والميثاق؟!

إن تهجمكم على الصحابة الكرام وتجرؤكم عليهم بنسبة ما لا يليق إليهم سبب لتكفيركم عند أكثر أهل السنة.

قلت: إن كان هذا الأمر سبب تكفيرنا، فالصحابة كلهم كافرون! وعلماؤكم وأعلامكم أكثرهم كافرون! لأننا ننقل عنهم، ولا نقول شيء بغير دليل، وإنما دائما نذكر مصادر ما نقوله فيهم من كتبكم ومسانيدكم وهذا واضح للحاضرين في ما تحدثنا وناقشناه في المجالس السالفة.

ولكننا نمتاز بأننا نضع النقاط على الحروف ونلفت أنظار المسلمين إلى أفعال الصحابة وأفعالهم، فنمدح محسنهم ونؤيد حسناته ليرغب المؤمنون بالتأسي والاقتداء بهم، ويحبونهم لحب الله وحب الخير والحق والإحسان.

ونقدح بالمسيء من الصحابة ونذمهم لسيئاتهم ومنكراته وما عملوا من الباطل، حتى يتبرأ المؤمنون منهم، ويستنكروا أفعالهم المنافية للإيمان والوجدان وللسنة والقرآن!! لكي لا يرتكبوها ولا يكرروها بحجة الاقتداء بالصحابة، فإن منهم الصاحون ومنهم الطالحون.

ملخص الكلام: نحن إنما ننشر فضائل المحسنين وفضائح المسيئين من الصحابة، من باب نشر المعروف وإنكار المنكر، ولكي نعطي كل ذي حق حقه.

فإن تنكرون علينا هذا الأمر وتكفرونا من أجله، فالأحرى أن تنكروا على صحابة الرسول وتكفروهم حتى الشيخين! لأنهم كانوا ينتقدون بعضهم بعضا ويطعن بعضهم في بعض وكانوا يتسابون ويتقاتلون!! وإن أحداث السقيفة وهجوم القوم على دار فاطمة (ع) وأحداث قتل عثمان وحرب الجمل وصفين أدل دليل على ذلك.

وأنتم إما تجهلون الحقائق أو تتجاهلون، ومحبتكم للصحابة وصلت إلى حد المثل الشائع:

" حب الشيء يعمي ويصم "، لذلك حينما تسمع مني بأن الصحابة بعضهم نقضوا عهد الله وميثاقه الذي أخذه عليهم رسول الله (ص) فتغضب وتتعصب للصحابة وتنكر الخبر!! ومقتضى الحال أن تطالبني بالدليل قبل أن تغضب وتتعصب.

الحافظ: الآن أطالبك بدليلك، فأت به إن كنت من الصادقين!

أكثرهم نقضوا العهد

أولا: ثبت عند كل عالم ذي وجدان وصاحب ضمير، أن النبي (ص) يوم الغدير أخذ العهد والميثاق من أصحابه على حب علي ونصرته وموالاته وطاعته، فيا ترى هل نصروه في أحداث السقيفة وما بعدها أم خذلوه؟ ونقضوا عهد الله وميثاقه الذي أخذه عليهم رسول الله (ص) في الغدير وخالفوه؟!

ثانيا: قد صدر منهم في حياة النبي (ص) نقض العهد أيضا، فإنهم بايعوا رسول الله (ص) وعاهدوه على أن يقاتلوا دونه ولا يتركوه في المعركة ولا يولوا الدبر للأعداء، بل يقابلوهم وجها لوجه حتى ينالوا إحدى الحسنيين. ولقد حذرهم الله سبحانه من الفرار والهزيمة في القتال والجهاد فقال:

(يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار * ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير)(53).

وقد ذكر كثير من محدثيكم ومؤرخيكم أن كثيرا من الأصحاب انهزموا وفروا يوم حنين، وأجمعوا أن جلهم فروا يوم أحد وفي خيبر ومنهم الشيخان وعثمان:

أخرج ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج15 / 24 / طبع دار إحياء التراث العربي عن الواقدي قال:... و كان ممن ولى عمر و عثمان و الحارث بن حاطب و ثعلبة بن حاطب و سواد بن غزية و سعد بن عثمان و عقبة بن عثمان و خارجة بن عامر... و لقيتهم أم أيمن تحثي في وجوههم التراب و تقول لبعضهم: هاك المغزل فاغزل به!!

و احتج أيضا من قال بفرار عمر بما رواه الواقدي في كتاب المغازي في قصة الحديبية قال: قال عمر يومئذ: يا رسول الله، أ لم تكن حدثتنا أنك ستدخل المسجد الحرام و تأخذ مفتاح الكعبة و تعرّف مع المعرّفين و هدينا لم يصل إلى البيت و لا نحر؟!! فقال رسول الله (ص): أ قلت لكم في سفركم هذا؟ قال عمر: لا.

قال (ص): أما إنكم ستدخلونه و آخذ مفتاح الكعبة و أحلق رأسي و رءوسكم ببطن مكة و أعرّف مع المعرّفين، ثم أقبل (ص) على عمر و قال: أ نسيتم يوم أحد (إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ)(54) و أنا أدعوكم في أخراكم!

أ نسيتم يوم الأحزاب (إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَ إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وتظنون بالله الظنونا)(55)!

أ نسيتم يوم كذا! و جعل (ص) يذكرهم أمورا.

أ نسيتم يوم كذا!

فقال المسلمون صدق الله وصدق رسوله، أنت يا رسول الله أعلم بالله منا.

فلما دخل عام القضية و حلق رأسه قال: هذا الذي كنت وعدتكم به، فلما كان يوم الفتح و أخذ مفتاح الكعبة قال (ص): ادعوا لي عمر بن الخطاب، فجاء فقال (ص): هذا الذي كنت قلت لكم.

قالوا: فلو لم يكن فر يوم أحد لما قال (ص) له: أ نسيتم يوم أحد (إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ )(56).

هذا الخبر... حينما ينقله ابن أبي الحديد وغيره فلا بأس عليه، ولكن نحن الشيعة إذا نقلناه، فأنتم علماء العامة تتعصبون وتتهجمون علينا وتحركون الجهلة والعوام وتقولون بأن الرافضة يهينون الصحابة وينالون من الشيخين!! هذا لأنكم تسيئون بنا الظنون وعلى حد قول الشاعر:

وعين الرضا عن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدي المساويا
ولذلك فلنا معكم موقف عسير في يوم القيامة إذا شكوناكم إلى الله العدل الحكيم ليحكم بيننا ويأخذ منكم حقنا ويعاقبكم على ظلمكم إذ تفتون علينا بالكفر! وتؤيدون الذين ظلموا، ومن رضي بعمل قوم حشر معهم، (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)(57).

الحافظ: نحن ما ظلمناكم ولا نؤيد الظالمين، وهذا افتراء علينا.

قلت: الظلم الذي جرى علينا كثير، ولو تغاضينا وعفونا عن بعضها فلا نعفو عن هجومهم على بيت أمي فاطمة الزهراء عليها السلام، وإيذائها وغصبهم حقها ، فإني من ذراريها ويحق لي أن أقيم الدعوى على من ظلمها وضربها وأسقط جنينها واغتصب فدكها!!

الحافظ: نحن ما كنا في ذلك الزمان حتى نعرف الحقائق وهذه الدعاوى تحتاج إلى الإثبات.

قلت: نعم نحن ما كنا في ذلك الزمان، ولكن الروايات والأحاديث التي نقلها المؤرخون والمحدثون تكون بمثابة شهود القضية والواقعة، لا سيما إذا كان الرواة والمؤرخون من أعلامكم.

فدك وما يدور حولها

فدك وعوالي سبع قرى زراعية حوالي المدينة المنورة كانت تمتد من سفح الجبال إلى سيف البحر ومن العريش إلى دومة الجندل.

قال ياقوت الحموي صاحب معجم البلدان في كتابه الآخر فتوح البلدان: ج6/343.

واحمد البلاذري في تاريخه.

وابن أبي الحديد في شرح النهج: ج16 / 210 / واللفظ للأخير: عن كتاب السقيفة وفدك لأبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري بسنده عن الزهري قال: بقيت بقية من أهل خيبر تحصنوا فسألوا رسول الله ص أن يحقن دماءهم و يسيرهم، ففعل، فسمع ذلك أهل فدك فنزلوا على مثل ذلك، و كانت للنبي ص خاصة، لأنه لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب.

قال أبو بكر: و روى محمد بن إسحاق أيضا، أن رسول الله ص لما فرغ من خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك، فبعثوا إلى رسول الله ص فصالحوه على النصف من فدك، فقدمت عليه رسلهم بخيبر أو بالطريق، أو بعد ما أقام بالمدينة فقبل ذلك منهم، و كانت فدك لرسول الله (ص) خالصة له، لأنه لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب. قال: و قد روى أنه صالحهم عليها كلها، الله أعلم أي الأمرين كان! انتهى كلام الجواهري.

وما نقله الطبري في تاريخه قريب من كلام الجوهري بل كلام كل المؤرخين والمحدثين عن فدك يقارب كلام الجوهري.

فدك حق فاطمة عليها السلام

بعدما رجع النبي (ص) إلى المدينة نزل جبرئيل من عند الرب الجليل بالآية الكريمة: (وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا)57.

فانشغل فكر النبي بذي القربى، من هم؟ وما حقهم؟ فنزل جبرائيل ثانيا عليه (ص) وقال: إن الله سبحانه يأمرك أن تعطي فدكا لفاطمة (ع) فطلب النبي (ص) ابنته فاطمة (ع) وقال: إن الله تعالى أمرني أن أدفع إليك فدكا، فمنحها وتصرفت هي فيها وأخذت حاصلها فكانت تنفقها على المساكين.

الحافظ: هل هذا الحديث في تفسير الآية الكريمة موجود في كتب علمائنا أيضا؟ أم يخص تفاسيركم؟

قلت: لقد صرح بهذا التفسير كبار مفسريكم وأعلامكم منهم: الثعلبي في تفسير كشف البيان، وجلال الدين السيوطي في الدر المنثور: ج4 رواه عن الحافظ ابن مردويه أحمد بن موسى المتوفى عام 352، وأبو القاسم الحاكم الحسكاني والمتقي الهندي في كنز العمال وابن كثير الدمشقي الفقيه الشافعي في تاريخه والشيخ سليمان الحنفي في ينابيع المودة / باب 39 نقلا عن الثعلبي وعن جمع الفوائد وعيون الأخبار أنه لما نزلت: (وآت ذا القربى حقه) دعا النبي (ص) فاطمة فأعطاها فدك الكبير.

فكانت فدك في يد فاطمة (ع) يعمل عليها عمالها، ويأتون إليها بحاصلها في حياة النبي (ص) وهي كانت تتصرف فيها كيفما شاءت، تنفق على نفسها وعيالها أو تتصدق بها على الفقراء والمعوزين.

ولكن بعد وفاة رسول الله (ص) أرسل أبو بكر جماعة فأخرجوا عمال فاطمة من فدك وغصبوها وتصرفوا فيها تصرفا عدوانيا!

الحافظ: حاشا أبو بكر أن يتصرف في ملك فاطمة تصرفا عدوانيا، وإنما كان سمع من النبي (ص) قوله: " نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة ". وقد استند إلى هذا الحديث الشريف وأخذ فدك.

هل الأنبياء لا يورّثون؟

قلت: أولا: نحن نقول: بأن فدك كانت نحلة وهبة من النبي (ص) لفاطمة (ع) وهي استلمتها وتصرفت فيها فهي (ع) كانت متصرفة في فدك حين أخذها أبو بكر . وما كانت إرثا.

ثانيا: الحديث الذي استند عليه أبو بكر مردود غير مقبول لأنه حديث موضوع لوجود اشكالات فيه.

الحافظ: ما هي اشكالاتكم؟ ولماذا يكون مردودا؟

قلت: أولا: واضع الحديث عندما وضع على لسانه بأنه صلى الله عليه وآله قال: " نحن معاشر الأنبياء لا نورث " قد غفل عن آيات المواريث التي جاءت في القرآن الحكيم، في توريث الأنبياء، ولو كان يقول: سمعت النبي (ص) يقول: أنا لا أورث لكان له مخلص من آيات توريث الأنبياء في القرآن فالصيغة الأولى: نحن معاشر الأنبياء لا نورث تعارض نص القرآن الحكيم، فتكذيب أبا بكر ورده أولى من نسبة النبي (ص) إلى ما يخالف كتاب الله عز وجل.

كما أن فاطمة الزهراء (ع) أيضا احتجت على أبي بكر وردته وردت حديثه بالاستناد إلى القرآن الحكيم فإنه أقوى حجة وأدل دليل واكبر برهان.

استدلال الزهراء عليها السلام وخطبتها

نقل ابن أبي الحديد في شرح النهج: ج6 /211 / طبع دار إحياء التراث العربي، عن أبي بكر الجوهري بإسناده عن طرق مختلفة تنتهي إلى زينب الكبرى بنت فاطمة الزهراء (ع) وإلى الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه (ع) وإلى الإمام الباقر بن جعفر ـ محمد بن علي ـ (ع) وإلى عبد الله بن الحسن المثنى بن الإمام الحسن السبط (ع) قالوا جميعا: لما بلغ فاطمة (ع) إجماع أبي بكر على منعها فدكا، لاثت خمارها، و أقبلت في لمة من حفدتها و نساء قومها تطأ في ذيولها، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله (ص)، حتى دخلت على أبي بكر و قد حشد الناس من المهاجرين و الأنصار، فضرب بينها و بينهم ريطة بيضاء ـ و قال بعضهم: قبطية، و قالوا قبطية بالكسر و الضم ـ ثم أنت أنة أجهش لها القوم بالبكاء ثم أمهلت طويلا حتى سكنوا من فورتهم، ثم قالت: أبتدئ بحمد من هو أولى بالحمد و الطول و المجد، الحمد لله على ما أنعم و له الشكر بما ألهم.

و ذكر خطبة طويلة جيدة قالت في آخرها: فاتقوا الله حق تقاته، و أطيعوه فيما أمركم به، فإنما يخشى الله من عباده العلماء، و احمدوا الله الذي لعظمته و نوره يبتغي من في السموات و الأرض إليه الوسيلة. و نحن وسيلته في خلقه، و نحن خاصته و محل قدسه، و نحن حجته في غيبه، و نحن ورثة أنبيائه.

ثم قالت: أنا فاطمة ابنة محمد، أقول عودا على بدء، و ما أقول ذلك سرفا و لا شططا، فاسمعوا بأسماع واعية و قلوب راعية! ثم قالت: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم)(58) فإن تعزوه تجدوه أبي دون آبائكم و أخا ابن عمي دون رجالكم... ثم ذكرت كلاما طويلا تقول في آخره: ثم أنتم الآن تزعمون أن لا إرث لي!

(أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)(59) ؟ إيها معاشر المسلمين! ابتز إرث أبي!

يا بن أبي قحافة! أفي كتاب الله أن ترث أباك و لا أرث أبي!! لقد جئت شيئا فريا!! إلى آخر خطبتها(60).

وجاء في بعض الروايات كما في كتاب السقيفة وفدك لأبي بكر الجوهري وغيره، أنها قالت في خطبتها:

أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم!

إذ يقول الله جل ثناؤه: (وورث سليمان داود)(61).

واقتص من خبر يحيى وزكريا إذ قال: (رب هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا)(62).

وقال تبارك وتعالى: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين)(63).

فزعمتم أن لا حظ لي و لا أرث لي من أبي!

أ فخصّكم اللّه بآية أخرج منها أبي؟!

أم تقولون أهل ملّتين لا يتوارثان؟ أ و لست أنا و أبي من أهل ملّة واحدة أم أنتم أعلم بخصوص القرآن و عمومه من أبي (ص).

(أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)(64) ـ انتهى كلام الجوهري ـ.

احتجاج علي عليه السلام في فدك

روى المحدثون أن عليا عليه السلام جاء إلى أبي بكر وهو في المسجد، و حوله حشد من المهاجرين و الأنصار. فقال (ع): يا أبا بكر لم منعت فاطمة نحلتها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وقد ملكتها في حياته؟!

فقال أبو بكر: فدك في‏ء للمسلمين، فإن أقامت شهودا أن رسول الله أنحلها فلها و إلا فليست حقّ لها فيه.

قال علي (ع): يا أبا بكر تحكم فينا بخلاف حكم الله تعالى؟

قال: لا.

قال (ع): فإن كان في يد المسلمين شي‏ء يملكونه، فادعيت أنا فيه، من تسأل البينة؟

قال: إيّاك أسأل.

قال: فما بال فاطمة سألتها البينة منها على ما في يديها! وقد ملكته في حياة رسول الله (ص) وبعده.

فسكت أبو بكر هنيئة، ثم قال: يا علي! دعنا من كلامك، فإذا لا نقوى على حجتك، فإن أتيت بشهود عدول، وإلا فهي فيء للمسلمين، لا حق لك ولا لفاطمة فيها!!

فقال علي عليه السلام: يا أبا بكر تقرأ كتاب الله!

قال: نعم.

قال (ع): أخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ: (إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(65) فيمن نزلت؟ فينا أو في غيرنا؟

قال: بل فيكم!

قال (ع): فلو أنّ شهودا شهدوا على فاطمة بنت رسول الله عليها السلام بفاحشة ـ والعياذ بالله ـ ما كنت صانعا بها؟

قال: أقمت عليها الحد كما أقيم على نساء المسلمين!!

قال (ع): كنت إذا عند اللّه من الكافرين!

قال: و لم؟ قال: لأنّك رددتّ شهادة اللّه بطهارتها و قبلت شهادة الناس عليها!

كما رددت حكم الله وحكم رسوله أن جعل لها فدك وزعمت أنها فيئ للمسلمين، وقد قال رسول الله (ص): البينة على المدعي، واليمين على من ادعي عليه.

فدمدم الناس وأنكروا على أبي بكر، وقالوا: صدق ـ والله ـ علي.

رد الخليفة على فاطمة وعلي عليهما السلام

نقل ابن أبي الحديد في شرح ‏نهج‏ البلاغة ج: 16/ 214 ـ 215/ ط دار إحياء التراث العربي عن أبي بكر الجوهري بإسناده إلى جعفر بن محمد بن عمارة قال : فلما سمع أبو بكر خطبتها شق عليه مقالتها فصعد المنبر و قال: أيها الناس! ما هذه الرعة إلى كل قالة أين كانت هذه الأماني في عهد رسول الله (ص)؟! ألا من سمع فليقل! و من شهد فليتكلم! إنما هو ثعالة، شهيده ذنبه، مربّ لكل فتنة، هو الذي يقول: كروها جذعة بعد ما هرمت، يستعينون بالضعفة، و يستنصرون بالنساء، كأم طحال أحب أهلها إليها البغي، ألا إني لو أشاء أن أقول لقلت و لو قلت لبحت، إني ساكت ما تركت. ثم التفت إلى الأنصار فقال: قد بلغني يا معشر الأنصار مقالة سفهائكم، و أحق من لزم عهد رسول الله (ص) أنتم! فقد جاءكم فآويتم و نصرتم، ألا إني لست باسطا يدا و لا لسانا على من لم يستحق ذلك منا.

ثم نزل فانصرفت فاطمة (ع) إلى منزلها.

بالله عليكم أنصفوا!!!

أيليق هذا الكلام البذيء والبيان الرديء لمدعي خلافة النبي (ص) ؟!

أيجوز لشيخ كان صاحب رسول الله (ص) أن يمثل بنت رسول الله وبضعة لحمه، بالثعلب أو بأم طحال الفاجرة؟!

ويمثل الإمام علي عليه السلام بذنب الثعلب وهو الذي عظم الله قدره وأكبر شأنه في كتابه وجعله نفس رسول الله (ص) في آية المباهلة بلا منكر!!

إلى متى تغمضون أعينكم وتصمون آذانكم وتختمون على قلوبكم بالتغافل والتعصب؟! فتنكرون ضوء الشمس في الضحى وتعيشون الجهل والعمى!!

افتحوا أعينكم وآذانكم وقلوبكم، واخرجوا عن الغفلة والتعصب، وادخلوا مدينة العلم والحكمة من بابها التي فتحها النبي (ص) واعرفوا الحق وتمسكوا به وكونوا أحرارا في دنياكم!

أيها الحافظ: فلو إن قائلا في هذا المجلس يقول بأن الحافظ كالثعلب والشيخ عبد السلام ذنبه، ويقول: أن زوجة الحافظ تكون مثل فلانة الفاجرة!!

ما كنت تصنع به؟ أ كنت تسكت على تجاسر؟ أم تقولون: إن كلامه ليس بتجاسر؟!

حتما تحسب كلام القائل بالنسبة إليك سبا صريحا وشتما وقيحا، يستحق أن ترده بأخشن جواب! وربما أمرت أتباعك ومحبيك بضربه وتأديبه وتعذيبه وتأنيبه، والكل يعطونك الحق في ذلك، إذا.. كيف تريدون منا أن نصبر على تجاسر أبي بكر وسبه وشتمه لأبينا أمير المؤمنين وجدتنا فاطمة عليهما السلام؟ كيف نتحمل من أبي بكر وهو يدعي خلافة جدنا النبي فيصعد منبره ويعبر بتلك التعابير الركيكة عن جدتنا الزهراء وأبينا أمير المؤمنين، فيشتمهم ذلك الشتم القبيح ويسبهم السباب الوقيح، ملوحا أو مصرحا؟!

استغراب ابن أبي الحديد(66)

يستغرب ابن أبي الحديد ويتعجب من جواب أبي بكر فلذلك يقول: قرأت هذا الكلام على النقيب أبي يحيى جعفر بن يحيى بن أبي زيد البصري، و قلت له: بمن يعرض؟ فقال: بل يصرح. قلت لو صرح لم أسألك. فضحك و قال: بعلي بن أبي طالب (ع). قلت: هذا الكلام كله لعلي يقوله؟! قال: نعم، إنه الملك يا بني! قلت: فما مقالة الأنصار؟ قال: هتفوا بذكر علي، فخاف من اضطراب الأمر عليهم، فنهاهم.

فسألته عن غريبه، فقال: أما الرعة بالتخفيف أي: الاستماع و الإصغاء، و القالة: القول، و ثعالة: اسم الثعلب، علم ممنوع من الصرف، و مثل: ذؤالة للذئب، و شهيده ذنبه، أي: لا شاهد له على ما يدعي إلا بعضه و جزء منه... و مرب: ملازم، أرب بالمكان، و كروها جذعة: أعيدوها إلى الحال الأولى، يعني الفتنة و الهرج. و أم طحال: امرأة بغي في الجاهلية، و يضرب بها المثل فيقال: أزنى من أم طحال!!

لا أدري كيف تسنى لأبي بكر أن يتكلم بذلك الكلام البذيء؟ وكيف سنحت له نفسه أن يعبر بذلك التعبير المسيء ويؤذي فاطمة ويغضبها وقد سمع قول رسول الله (ص): فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن أغضبها فقد أغضبني؟!

وهل بذلك يجاب احتجاج الإمام علي (ع)؟ أشتمه علي وسبه؟ أم استدل له بحكم الله وبالعقل والمنطق؟

ما ضره لو قبل الحق وعمل به، ولا سيما وقد سمع رسول الله (ص) يقول: علي مع الحق والحق مع علي يدور الحق حيثما دار علي (ع).

ليت شعري بأي دليل ولماذا يسب عليا وفاطمة ويشتمهما وقد سمع قول النبي (ص) فيهما وفي أبنائهما: أنا سلم لمن سالمهم وحرب لمن حاربهم؟؟(67)

عقاب من سب عليا عليه السلام

لا شك أن الله سبحانه يعذب ساب علي عليه السلام أشد العذاب، كائنا من كان، وقد فتح العلامة الكنجي الشافعي بابا في كتابه كفاية الطالب وهو الباب العاشر في كفر من سب عليا عليه السلام، روى بسنده عن يعقوب بن جعفر بن سليمان قال حدثنا أبي عن أبيه قال: كنت مع أبي عبد الله بن عباس و سعيد بن جبير يقوده، فمر على صفة زمزم فإذا قوم من أهل الشام يشتمون علي بن أبي طالب عليه السلام! فقال لسعيد بن جبير ردني إليهم، فوقف عليهم، فقال: أيكم الساب لله عز و جل؟ فقالوا: سبحان الله ما فينا أحد سب الله، فقال: أيكم الساب رسول الله؟ قالوا: ما فينا أحد سب رسول الله ص. قال: فأيكم الساب علي بن أبي طالب ع؟ فقالوا: أما هذا فقد كان!! قال: فأشهد على رسول الله ص سمعته أذناي و وعاه قلبي يقول لعلي بن أبي طالب: من سبك فقد سبني و من سبني فقد سب الله و من سب الله أكبه الله على منخريه في النار.





html>