إخباره عليه السلام عن عاقبة خالد بن عرفطة

ونقل ابن أبي الحديد في نفس الصفحة التي ذكرتها آنفا قال: و روى الحسن بن محبوب عن ثابت الثمالي عن أبي إسحاق السبيعي عن سويد بن غفلة أنّ عليا عليه السلام خطب ذات يوم، فقام رجل من تحت منبره فقال: يا أمير المؤمنين إنّي مررت بوادي القرى، فوجدت خالد بن عرفطة قد مات فاستغفر له. فقال عليه السلام: و اللّه ما مات و لا يموت حتّى يقود جيش ضلالة، صاحب لوائه حبيب بن عمار[ حمار ].

فقام رجل آخر من تحت المنبر فقال: يا أمير المؤمنين أنا حبيب بن عمّار [ حمار ]، و إنّي لك شيعة و محبّ. فقال عليّ عليه السلام: أنت حبيب بن حمّار؟ قال: نعم. قال له ثانية: و اللّه إنّك لحبيب بن حمّار[ عمار]؟ فقال: إي و اللّه. قال: أما و اللّه إنّك لحاملها و لتحملّنها، و لتدخلنّ بها من هذا الباب. و أشار إلى باب الفيل بمسجد الكوفة، قال ثابت: فوالله ما مت حتى رأيت ابن زياد، وقد بعث عمر بن سعد إلى الحسين بن علي (ع)، وجعل خالد بن عرفطة على مقدمته وحبيب ابن حمار ـ عمار ـ صاحب رايته، فدخل بها من باب الفيل.

إخباره عليه السلام عن حكومة معاوية وظلمه للشيعة

وأن من يطالع نهج البلاغة يجد فيه عبارات كثيرة في إخبار علي (ع) على الملاحم والفتن وظهور بعض السلاطين وخروج صاحب الزنج واستيلائه على البصرة وهجوم المغول وجنكيز على بلاد الإسلام وحكومتهم بها وإخباره (ع) عن سيرة بعض من يدّعون الخلافة وظلمهم الفظيع وعملهم الفجيع للناس عامة وللشيعة خاصة، ولا سيما إذا راجعتم شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج2 / 286 ـ 296 و ج 10 / 13 ـ 15 ط. دار إحياء الكتب العربية، وقد نقل في ج4 / 54 من نفس الطبعة قال: من كلام له ع لأصحابه: أما إنه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم، مندحق البطن، يأكل ما يجد، و يطلب ما لا يجد، فاقتلوه و لن تقتلوه. ألا و إنه سيأمركم بسبي و البراءة مني، فأما السب فسبوني فإنه لي زكاة و لكم نجاة، و أما البراءة فلا تبرءوا مني فإني ولدت على الفطرة و سبقت إلى الإيمان و الهجرة.

فصرح ابن أبي الحديد وغيره من كبار علمائكم ممن شرح نهج البلاغة ، أنه (ع) عنى بهذه الأوصاف معاوية عليه اللعنة، فهو الذي لما غلب على الشيعة وأصحاب الإمام علي (ع) أمرهم بسبه ولعنه والتبري منه صلوات الله عليه وقتل من أبى منهم وامتنع مثل حجر بن عدي وأصحابه رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.

ولقد دامت هذه السنة السيئة والبدعة الميشومة ثمانين سنة على المنابر والصلوات وفي خطب الجمعات.

إخباره عليه السلام عن مقتل ذي الثدية

ومن إخبار الإمام علي (ع) بالمغيبات، خبر ذي الثدية في معركة النهروان وكان رأس الخوارج(64). ولقد أخبر (ع) أيضا في حرب النهروان وقال قبل أن تقع: لا يفلت منهم عشرة، ولا يهلك منكم عشرة. وكان كما أخبر ولقد روى هذا الخبر أكثر علمائكم وكبار أعلامكم وهو من عبارات نهج البلاغة. وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج: ج5/ ص 3، د. دار إحياء التراث العربي / قال في ذيل العبارة وفي شرحها : هذا الخبر من الأخبار التي تكاد تكون متواترة، لاشتهاره و نقل الناس كافة له. و هو من معجزاته و أخباره المفصلة عن الغيوب(65).

أليس هذا إخبار بالغيب والعلم بالمستقبل والأمور التي لم تقع بعد؟ ولو أنصفتم لعرفتم أن مقام الولاية الإلهية والخلافة الربانية التي تجلت في هذا العبد الصالح والولي الفالح يميزه عن سائر الخلفاء، أين الثرى من الثريا؟ وأين مدعي الخلافة ممن رفعه الله مقاما عليا؟!

فإذا لم يكن الإمام علي (ع) متصلا بالعالم الأعلى ومنبع العلم الرباني والعلم اللّدني، كيف أخبر عن المغيبات وأخبر عن الحوادث التي تقع في المستقبل البعيد أو القريب مثل إخباره عن مقتل ميثم التمار ـ رحمه الله تعالى ـ وأخبر أن قاتله عبيد الله بن زياد وهو يصلبه على جذوع النخل، وأخبر عن مقتل جويرية ورشيد الهجري وعمرو ابن الحمق الخزاعي على يد عمال معاوية وأعوانه، وأخبر عن كيفية قتلهم واستشهادهم، ولقد أخبر عن مقتل ولده الحسين (ع) واستشهاده مع أهل بيته وأنصاره في أرض كربلاء. وهذه الأخبار مذكورة في تاريخ الطبري، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، وتاريخ الخلفاء للسيوطي، ومقتل الحسين أو مناقب الخوارزمي وغيرهم فإنهم ذكروا هذه القضايا بالتفصيل.

إخباره (ع) بأن ابن ملجم قاتله

لقد ذكر أكثر أعلامكم وكبار علمائكم منهم العلامة ابن الأثير في كتابه أسد الغابة: ج4 / 25، قال: لما حضر عبدالرحمن بن ملجم المرادي عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنشد قائلا:

أنت المهيمن والمهذب ذو الندى وابن الضراغم في الطراز الأول
‏الله خصك يا وصي محمـــد و حباك فضلا في الكتاب المنزل
إلى آخر أبياته. فعجب الحاضرون من طلاقة لسانه وفرط علاقته بالإمام علي (ع).

وذكر ابن حجر في الصواعق المحرقة 80، ط. الميمنية بمصر قال: وروي أن عليا جاءه ابن ملجم يستحمله فحمله ثم قال رضي الله عنه:

أريد حياته و يريد قتلي غديري من خليلي من مرادي
ثم قال: هذا والله قاتلي.

فقيل له: ألا تقتله؟ فقال: فمن يقتلني؟ " انتهى ".

فلا يقال: إذا كان يعلم أن ابن ملجم قاتله فلماذا تركه ولم يحبسه؟!

لأنه سلام الله عليه كان مأمورا بالظاهر ومقيدا بالشرع، فليس لحاكم أن يعاقب أحدا إلا إذا ارتكب جرما، فلذا لما قال الأصحاب لعلي (ع): إذا كنت تعلم أنه قاتلك فاقتله. فقال (ع): لا يجوز القصاص قبل الجناية.

يقول الكاتب الانجليزي ـ كارليل ـ في كتابه الأبطال: إن علي بن أبي طالب قُتل لعدله.

أي إذا كان ظالما مثل كثير من الملوك والحكام، وما كان مقيدا بالدين والقانون لقتل ابن ملجم، كما يقتل الملوك كل من أساءوا الظن فيه حتى إذا كان المظنون أخوهم وإبنهم أو أعز وأقرب الناس إليهم.

ولكن الإمام علي عليه السلام هو الوحيد في التاريخ الذي كان يعرف قاتله ويعرفه الناس، ولا يقضي عليه وتركه حرا وما حبسه ولا نفاه، ولما ضربه ابن ملجم بسيفه أوصى وقال صلوات الله وسلامه عليه: انظروا إذا أنا قُتِلتُ من ضربته، فاضربوه ضربة بضربة، ولا تمثلوا به...!

ونستنتج من هذه الأخبار أن من ارتضاه الله تعالى ومنحه علم الغيب يلزم أن يكون معصوما عادلا، وألا يقوم بالتعدي والظلم استنادا على علمه، قبل حدوث الجناية وقبل أن يقع شيء مما علمه، وبذلك يبطل التقدير الإلهي، وهذا محال. لذا جاء في رواية الصواعق المحرقة آنفا: أن عليا (ع) لما قال: هذا والله قاتلي ـ وأشار إلى ابن ملجم ـ فقيل له (ع): ألا تقتله؟ فقال (ع) فمن يقتلني؟

فأسألكم أيها الحاضرون والمستمعون! أما تدل هذه الأخبار والروايات في كتب كبار علمائكم، على علم الإمام علي (ع) بالمغيبات وأنه كان يمتاز عن سائر الناس وسائر الصحابة، بهذه الميزة العظمى والفضيلة الكبرى؟

يجب تقديم الأعلم والأفضل

فإن العقلاء في كل زمان ومكان لا يسمحون بتقديم الجاهل على العالم ولا يجوز عندهم متابعة الأفضل للمفضول بل يجب انقياد الجاهل للعالم والمفضول للفاضل.

وإن أفضلية الإمام علي (ع) وأعلميته أمر ثابت لجميع الأمة من الصحابة والتابعين والمتقدمين والمتأخرين حتى أن ابن أبي الحديد في مقدمته على شرح نهج البلاغة قال: الحمد لله الذي... قدم المفضول على الأفضل.

وهذا التعبير والبيان يثير التعجب في كل إنسان ولا سيما من عالم مثل ابن أبي الحديد، لأن فيه نسبة عمل خلاف العقل والحكمة إلى الله العليم الحكيم سبحانه وتعالى عما يصفون! فإن تقديم المفضول على الأفضل مخالف للحكمة والعقل ويأباه كل إنسان ذي فهم وإدراك فكيف بالله عز وجل؟ وهو يقول في كتابه الكريم: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)(66) ؟

ويقول:(أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(67)؟

والجدير بالذكر أن ابن أبي الحديد صاحب التعبير الآنف يقول أيضا في شرح نهج البلاغة: ج1/ ص4، طبع مصر: أنه (ع) أفضل البشر بعد رسول الله ص و أحق بالخلافة من جميع المسلمين.

ولقد أمر النبي (ص)المسلمين أن يأخذوا العلم من علي (ع) ويرجعوا إليه من بعده بقوله (ص): ومن أراد العلم فعليه بالباب، أو فليأت الباب.

فالذي أمر النبي (ص) الأمة أن يرجعوا إليه ويتعلموا منه أحق بالخلافة والإمامة، أم غيره؟!

الشيخ عبد السلام: إذا كان علي كرم الله وجهه هو المقدم كما تزعمون، لأنه أعلم وأفضل الناس بعد رسول الله (ص)، فلماذا لم نجد نصا من النبي (ص) يلزم فيه المسلمين على متابعة سيدنا علي كرم الله وجهه؟

قلت: لا أدري هل الشيخ عبد السلام ـ سلمه الله ـ مبتلى بالنسيان أم يتناسى أحاديثنا السالفة في الليالي الماضية، فإن أكثر الحاضرين يذكرون، وكذلك الصحف والمجلات الناشرة للمحاورات السابقة موجودة والكل شاهد على أني ذكرت عشرات الأحاديث النبوية الشريفة من كتبكم ومصادركم الموثوقة، تتضمن النصوص الخفية والجلية في وجوب متابعة الإمام علي (ع) وإطاعته وعدم مخالفته، وبعد كل ذلك كأن الشيخ يفتح الموضوع من جديد ويرجع إلى بداية المناقشات فيطالب بالنص الصادر من رسول الله (ص) على وجوب ولزوم متابعة الإمام علي (ع)!

ومع غض النظر عن المناقشات السالفة، لو أردنا أن نعرف ما الذي ألزم الناس أن يتبعوا رسول الله (ص)؟ لكان الجواب: لأنه كان (ص) يعلم من الله ما لا يعلمون. فأسأل فضيلة الشيخ: هل علوم النبي (ص) كانت خاصة لهداية البشر في زمان حياته المباركة، أم كانت كذلك لجميع البشر إلى يوم القيامة؟

الشيخ عبد السلام: من الواضح أنه كان هديا لجميع البشر إلى يوم القيامة.

قلت: بارك الله فيك.. فإذا لم يكن من رسول الله (ص) أي نص في تعيين الخليفة والإمام إلا حديثه الشريف المتواتر: أنا مدينة العلم و علي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب، لكفى في إثبات خلافة الإمام علي (ع) وأنه المعين بالنص الجلي.

ولقد أجمع علماء الإسلام على أن علي بن أبي طالب كان أعلم الأمة وأعلم الصحابة لحديث رسول الله (ص) الذي رواه جمع من كبار علمائكم وأعلام محدثيكم مثل أحمد في مسنده، والخوارزمي في المناقب، وأبي نعيم الحافظ في كتابه نزول القرآن في علي، والعلامة القندوزي في ينابيع المودة، والعلامة الهمداني في مودة القربى، وحتى ابن حجر المتعصب في صواعقه وغيرهم بأن النبي (ص) قال: اعلم أمتي علي بن أبي طالب فلا يقاس به أحد من الصحابة في العلم والفضيلة، كما روى ابن المغازلي في المناقب، ومحمد بن طلحة العدوي في مطالب السئول، وشيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين، والعلامة القندوزي الحنفي في ينابيع المودة / الباب الرابع عشر، في غزارة علمه (ع)، روى الكلبي عن عبد الله بن عباس قال: علم النبي (ص) من علم الله، و علم علي من علم النبي (ص)، و علمي من علم علي، و ما علمي و علم الصحابة في علم علي إلا كقطرة في سبعة أبحر(68).

وقال (ع) في آخر الخطبة المرقمة 108 من نهج البلاغة: نَحْنُ شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ وَ مَحَطُّ الرِّسَالَةِ وَ مُخْتَلَفُ الْمَلائِكَةِ وَ مَعَادِنُ الْعِلْمِ وَ يَنَابِيعُ الْحُكْمِ.

قال ابن أبي الحديد في شرحه ج 7/ 219، ط. دار إحياء الكتب العربية: فأما قوله:

و معادن العلم و ينابيع الحكم يعني الحكمة أو الحكم الشرعي، فإنه و إن عنى بها نفسه و ذريته، فإن الأمر فيها ظاهر جدا، قال رسول الله (ص): أنا مدينة العلم و علي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب،و قال (ص): أقضاكم علي . و القضاء أمر يستلزم علوما كثيرة. ـ وبعد نقله روايات أخرى ـ يقول:

و بالجملة فحاله في العلم حال رفيعة جدا لم يلحقه أحد فيها و لا قاربه، و حق له أن يصف نفسه بأنه معادن العلم و ينابيع الحكم، فلا أحد أحق بها منه بعد رسول الله (ص). انتهى.

وأخرج ابن عبد البر في الاستيعاب: ج3 / 38، ومحمد بن طلحة العدوي في مطالب السئول، والقاضي الأيجي في المواقف ص 276 عن النبي (ص) أنه قال: أقضاكم علي.

وأخرج السيوطي في تاريخ الخلفاء: ص 115، وأبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء: ج1 / 65، ومحمد الجزري في أسنى المطالب: ص 14، وابن سعد في الطبقات، وابن كثير في تاريخه ج7 / 359، وابن عبد البر في الاستيعاب: ج4 / 38، وابن حجر في صواعقه في الفصل الذي يذكر فيه ثناء الصحابة لعلي (ع)، وغيرهم أخرجوا عن عمر بن الخطاب أنه قال: علي أقضانا، ولقد نقل العلامة القندوزي الحنفي في كتاب ينابيع المودة / الباب الرابع عشر / عن كتاب الدر المنظم لابن طلحة الحلبي الشافعي قال: اعلم أن جميع أسرار الكتب السماوية في القرآن وجميع ما في القرآن في الفاتحة وجميع ما في الفاتحة في البسملة وجميع ما في البسملة في باء البسملة وجميع ما في باء البسملة في النقطة التي هي تحت الباء، وقال الإمام علي كرم الله وجهه: أنا النقطة التي تحت الباء. انتهى وأخرج العلامة القندوزي أيضا في الباب، عن ابن عباس أنه قال: أخذ بيدي الإمام علي ليلة مقمرة فخرج بي إلى البقيع بعد العشاء وقال: اقرأ يا عبد الله. فقرأت: بسم الله الرحمن الرحيم، فتكلم في أسرار الباء إلى بزوغ الفجر.

وروى القندوزي في الباب عن الدر المنظم، وروى الخوارزمي في المناقب، وابن طلحة العدوي في المطالب: أن أمير المؤمنين (ع) قال: سلوني عن أسرار الغيوب فإني وارث علوم الأنبياء والمرسلين.

وروى القندوزي أيضا في الباب أيضا، وأحمد في المسند، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: أن عليا (ع) قال على المنبر: سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني عن طرق السماوات فإني أعرف بها من طرق الأرض.

لا يخفى أن هذا الكلام منه (ع) ـ ولا سيما في ذلك الزمان الذي ما كان البشر بعد يتصور ويفكر في طرق السماوات، ولا كان يعقل ويصدق بأن للسماوات طرقا كطرق الأرض ـ أكبر دليل على أن علمه كان لدُنيّا ونازلا إليه من رب السماء بواسطة النبي (ص).

والجدير بالذكر، أنهم لما سألوه عن الكرات السماوية والأسرار الفلكية، أجابهم بموجب الاكتشافات العلمية الحديثة وعلى خلاف ما كان يعتقدون آنذاك من نظرية بطلميوس وغيرها.

جوابه (ع) عن الكرات السماوية

روى العالم الفاضل والمحدث الجليل الثقة العدل الشيخ علي بن إبراهيم القمي ـ من أعلام القرن الثالث الهجري ـ في كتابه المعروف بتفسير القمي. ضمن تفسيره سورة الصافات، وكذلك العلامة اللغوي والعالم الديني الورع الزاهد التقي فخر الدين الطريحي في كتابه مجمع البحرين، وكان يعيش قبل ثلاثمائة سنة تقريبا، روى في مادة كوكب. وروى العلامة الجليل والمحدث النبيل المولى محمد باقر المجلسي رحمه الله في بحار الأنوار مجلد السماء والعالم، قالوا بأنه (ع) سئل عن الكواكب في السماء فقال في جوابهم: هذه الكواكب مدائن مثل المدائن التي في الأرض. تربطها أعمدة من نور.

هذا الكلام ـ في ذلك الزمان الذي ما كانت فيه هذه الوسائل والآلات الكاشفة للكرات والسيارات الفلكية ـ يعد من المعاجز العلمية التي تدل على أن قائلها إنما كان يستوحي علمه من السماء ومن الخالق العظيم، لأن هذا الكلام على خلاف ما كان يعتقد العلماء و الفلكيون في ذلك العصر. وبعد مضي أكثر من ألف سنة انكشف صحة كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع). ولقد كان لأولاده الأئمة المعصومين سلام الله عليهم كلام من هذا القبيل أيضا وهو كثير وقد جمعه أحد علمائنا الكبار في كتاب سماه ـ الهيئة والإسلام ـ.

حديث مع المستشرق الفرنسي مسيو جوئن

من المناسب أن أحدثكم بحديث حدث في سفري هذا من العراق إلى بلادكم وهو: أني لما ركبت السفينة والباخرة من ميناء البصرة وتوجهت إلى الهند، صادف أن رافقني في الغرفة التي كنت فيها المستشرق الفرنسي مسيو جوئن وكان يجيد العربية والفارسية إلى جانب لغته الفرنسية فتصادقنا مدة سفرنا الذي طال أياما كثيرة وكنت وإياه في طول الطريق نتحادث عن الأمور العلمية والدينية وكنت مهتما بإرشاد الرجل إلى الإسلام من خلال حديثي عن اعتقاداتنا الحقة وتعاليم ديننا السامية الواصلة إلينا من النبي (ص) وأهل بيته وعترته والتي تشكل مذهب الشيعة الإمامية.

وفي يوم من الأيام أقر الرجل وقال: إني أعترف بأن دين الإسلام يشتمل على تعاليم سامية، وعقائد عالية ومعنويات عظيمة، بحيث لا توجد مثلها في سائر الأديان وحتى المسيحية ولكن أتباع الديانة المسيحية توصلوا في الاكتشافات العلمية والاختراعات الصناعية.

وتقدموا في الأمور المادية إلى بعد الغايات وسبقوا المسلمين وأتباع الديانات الأخرى في توفير وسائل الراحة والسعادة في الحياة.

قلت له: كلامك صحيح ولا ننكر ذلك، ولكن أساس هذه العلوم التي أدت إلى تلك الاكتشافات العلمية والاختراعات الصناعية بيد الغربيين كان منبعها وأساسها من الإسلام والمسلمين، والتاريخ يشهد بأن الغربيين إلى القرن الثامن الميلادي كانوا يعيشون في بربرية وهمجية، في حين كان المسلمون يحملون راية العلم وكانوا آنذاك دعاة التمدن والتقدم والصلاح، كما يعترف بذلك كبار أعلامكم مثل ارنست رنان الفرنسي، وكارليل الانجليزي، وندرمال الألماني وغيرهم.

وقبل أيام وجدت كتابا عند أحد زملائي الكرام وهو النواب محمد حسين خان قزلباش، من شخصيات الهند، يقيم في كربلاء والكاظمية، ناولني ذلك الكتاب وقال أنه كتاب قيم كتبه أحد المستشرقين الفرنسيين وترجمه من الفرنسية إلى الهندية السيد الفاضل والعالم الكامل السيد علي بلجرامي الهندي، واسمه: تاريخ تمدن العرب لمؤلفه جوستان لوبون الحائز على شهادات الدكتوراه في الطب والحقوق والاقتصاد.

قال النواب محمد حسين خان: ولقد أثبت فيه المؤلف بالدلائل والبراهين بأن كل ما عند الغربيين من العلم والتمدن والصناعات وحتى التعاليم الأخلاقية وآداب المعاشرة والإدارة وسياسة البلاد وتدبير الجيوش والعساكر والمهام الاجتماعية والفردية وغيرها، إنما اكتسبوها وتعلموها من العرب، فإن العرب سبقوا كل الشعوب والملل إلى هذه الأمور الحسنة.

ومن الواضح أن المقصود من العرب، هم المسلمون لأن العرب قبل ظهور الإسلام، كانوا يعيشون في جاهلية وبربرية بحيث سماهم المؤرخون بعرب الجاهلية ولكنهم بفضل الإسلام أصبحوا رواد العلم والتمدن والصلاح والنظام في العالم.

فقال المسيو جوئن: نعم إني طالعت وقرأت هذا الكتاب في باريس.

فإن المؤلف الدكتور جوستاف لوبون زميلي ولقد أهدى لي كتابه بيده ، وهو كتاب علمي تحقيقي تاريخي استدلالي.

مقال جوستاف لوبون في تأثر الغرب بالتمدن الإسلامي

ولقد ترجم لي الأستاذ صادق خان قزلباش وهو يسكن مدينة الكاظمية أيضا. بعض أوراق ذلك الكتاب، منها الفصل الثاني من الباب العاشر تحت عنوان: تأثير الغرب بالتمدن الإسلامي، وأنا أشكره كثيرا. وأقدم إليكم هذا المقال بالمناسبة يقول جوستاف لوبون: إن أثر التمدن الإسلامي في الغرب لايقل عن الأثر الذي أوجده في الشرق، وبالإسلام تمدنت أوروبا. وإذا أردنا أن نعرف مدى هذا التأثير، يلزم أن نطالع تاريخ أوربا قبل ظهور الإسلام.

ففي القرن التاسع والعاشر الميلادي أي في الزمن الذي وصل التمدن الإسلامي إلى القمة في بلاد أسبانيا ـ الأندلس سابقا ـ وحصل التقدم العلمي والحضاري والاجتماعي والتجاري في تأسيس مراكز، لم يكن في كل بلاد الغرب مركز واحد للعلم والحضارة، أو تعليم الآداب الاجتماعية والتجارية. وكان كل شيء منحصرا في الكنائس وفي يد القساوسة والرهبان الجاهلين الذين كانوا يدعون العلم والمعرفة ويجبرون الناس على الالتزام والتمسك بالانحرافات والخزعبلات التي كانوا ينسبونها إلى الدين!

ومن القرن الثاني عشر الميلادي توجه بعض الغربيين إلى الأندلس ودخلوا المراكز العلمية التي أسسها هناك وتلمّذوا عند العلماء المسلمين، وأصبحوا علماء فاهمين وعادوا إلى بلاد أوربا، وعملوا لإنقاذ شعوبهم من جهل القساوسة والخرافات المنتسبة إلى الدين.

فكل علماء العالم يجب أن يعرفوا حق المسلمين وتأثير التعاليم الإسلامية في انتشار العلم وترغيب الناس في تحصيل العلوم، ولا سيما علماؤنا في الغرب يجب أن يعرفوا أن للمسلمين حق الحياة عليهم، ولو سمينا تمدن الغرب بتمدن الإسلام والعرب كان صحيحا.

هذا رأي أحد المستشرقين وأحد علمائكم المحققين، وأنت مثل كثير من الأوربيين تفتخر وتتباهى بالاكتشافات والاختراعات الحديثة في الغرب وتنسون ذلك الماضي المظلم ولا تتفكرون في النور الذي أزاح عنكم ذلك الجهل والظلام المطبق والنور هو نور الإسلام والعلم الذي أوصلكم بفضل الإسلام ولو طالعتم وقرأتم تاريخ الجزيرة العربية قبل الإسلام أيضا، لرأيتهم أسوأ حالا من الغربي آنذاك، فلا علم ولا نظام ولا جولة ولا قانون و...

ولما جاءهم الإسلام فبفضل خاتم الأنبياء والتعاليم السامية التي جاء بها من عند الله عز وجل صارت الجزيرة من أرقى بلاد العالم، وانطلق منها المسلمون ينشرون تلك التعاليم الراقية والأحكام العالية، في حين كانت باريس التي هي اليوم مهد التمدن والحضارة الحديثة، كانت يومذاك تعاني من البربرية والوحشية الحاكمة بين أهلها بكل ضرواة وقسوة.

قلت لمسيو جوئن: إنكم تعلمون أن أوربا في القرن السابع والثامن الميلادي في عهد الإمبراطور شارلمان ملك فرنسا، حصلت على شيء من النظام والتقدم الحضاري والاجتماعي ولكن لا تقاس مع البلاد الإسلامية حينذاك، ولقد كانت الروابط والعلاقات الدبلوماسية حسنة بين شارلمان وبين هارون الرشيد ولتوثيق العلاقات بودلت بينهما هدايا وتحف، بدأ بها الإمبراطور شارلمان وأجابه هارون بإرسال جملة من الهدايا مثل المجوهرات الثمينة والملابس الفاخرة التي كانت من صنع وحياكة المسلمين ، وكان منها فيل كبير لم يرى الأوربيون مثله في بلادهم، وبعث ساعة كبيرة صنعها المسلمون العرب وكانت تبين ساعات الليل والنهار بدقات منظمة رنانة بصوت يحدث على أثر سقوط أثقال حديدية في طاسة كبيرة برونزية وقد نصبها الفرنسيون على المدخل الرئيسي لعمارة الحكومة والتي كان الإمبراطور يسكنها، هذا ما أثبته ونقله الدكتور جوستاف لوبون في كتابه ونقله أيضا غيره من المستشرقين والعلماء الغربيين. وإن أحببتم أن تعرفوا التمدنين الإسلامي والغربي في ذلك الزمان فراجعوا تواريخكم وطالعوا قضية إرسال هدايا الرشيد إلى الإمبراطور شارلمان وتلك الساعة التي تعد أول ساعة من نوعها في أوربا، والجدير بالذكر أن المؤرخين الغربيين يكتبون أنه لما نصبت هذه الساعة على المدخل الرئيسي لبيت الإمبراطور، اجتمع الناس ينظرون إليها متعجبين فلما رأوا حركات المؤشرات وسمعوا تلك الدقات الرنانة التي كانت تحدث على أثر سقوط كريات حديدية في الطاسة البرونزية، قالوا فيما بينهم إن الشيطان الذي كان الرهبان والقساوسة يحذروننا منها وأنها أكبر عدو للإنسان قد اختفى في هذا الشيء، وهو الذي يحرك المؤشرات ويلقى الكريات في الطاسة، فأخذوا المعاول والفؤوس وهجموا نحو دار الحكومة وبيت الإمبراطور، فلما عرف الملك كلامهم وعرف أن مقصدهم هدم الساعة وتحطيمها دخل معهم من باب المفاوضة والتفاهم، فاختاروا من بينهم كبارهم فصعدوا عند الساعة ونظروا إلى كيفية عملها ومحركاتها، وفتشوها فلم يجدوا فيها غير قطعات خشبية وحديدية وبرونزية، فتنازلوا عن رأيهم واعتذروا إلى الإمبراطور!!

فالمسلمون كانوا متقدمين وسابقين على الغربيين في هذه العلوم والفنون والصناعات والاكتشافات بل هم المؤسسون لأكثر هذه الأشياء والعلوم والفنون إلا أنهم تكاسلوا بعد حين واغتروا فسبقهم الغربيون وتقدموا عليهم بما تعلموه منهم.

ثم إن تقدم الغربيين لا يرتبط بالسيد المسيح (ع) وبدينه حتى تقولوا بأن أتباع المسيح تقدموا على المسلمين، فإذا كان هذا الكلام صحيحا، فلماذا عاش أتباع المسيح (ع) في وحشية وبربرية وجاهلية جهلاء قريب الألف عام بعد صلب السيد المسيح على حد زعمكم ولم يتحولوا ولم يتأدبوا بالآداب ولم يتقيدوا بالقانون والأحكام إلا بعد انتشار الإسلام في العالم.

وقد طال الحديث حول الموضوع في ذلك.

الإمام علي عليه السلام والاكتشافات الحديثة

ثم قلت له: أن الفرق بين أئمة الإسلام وبين علماء العالم غير الأنبياء، أن العلماء توصلوا إلى ما توصلوا من الاكتشافات بالأسباب والوسائل، ولكن أئمتنا كشفوا عن كثير من الأسرار بغير وسائل وآلات. ثم قرأت عليه بعض الأخبار المروية عن أئمة أهل البيت (ع) في تعريف وتوصيف بعض الحشرات الصغيرة التي لا ترى بالعين المجردة، وقد وصفوها في زمن لم تكن المكرسكوبات وأمثالها مخترعة بعد واليوم بعد مضي اكثر من ألف سنة توصل علماؤكم الغربيون إلى تلك الأوصاف بالآلات الحديثة والأجهزة الدقيقة. وكذلك كلامهم (ع) في الكرات السماوية والسيارات الفلكية، فأنتم اليوم تتباهون وتفتخرون ببعض مكتشفاتكم الفلكية والمجرات والأقمار والسيارات الفضائية وقد توصلتم إليها بالأجهزة الاكتشافية والآلات العظيمة بينما توصل إليها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) بدون أجهزة وآلات، ومثال ذلك أنه لما سئل عن الكواكب والنجوم، قال: إنها مدائن مثل المدائن التي في الأرض. فلما قرأت عليه هذا الخبر ـ أطرق مسيو جوئن إلى الأرض متفكرا ـ.

ثم قال: أرجوك أن تذكر لي الكتب التي نقلت هذا الخبر قبل اختراع التلسكوب والاكتشافات الحديثة.

فذكرت له الأسماء المصادر القديمة فسجلها وكتب نص الخبر، وقال : أنا الآن في طريقي إلى باريس وسأنزل في لندن وأراجع مكتباتها العامة لغرض الحصول على هذه المصادر التي سجلتها. وإن لم أجد هذه المصادر في لندن فسوف أفتش عنها في باريس وفي سائر بلاد أوروبا، فإذا كان الخبر كما نقلتم وذكرتم في تلك المصادر القديمة ـ التي كتبت قبل اختراع هذه الآلات والأجهزة ـ عن الكرات السماوية والعوالم الفلكية فسأختار الديانة الإسلامية، لأن الذي يخبر عن الكرات السماوية في ذلك الزمان بهذه الدقة والصحة وبدون أجهزة وآلات، إنما يكون متصلا بالخالق العظيم ويكتسب معلوماته منه، والذي يكون متصلا بخالق الكون يلزم أن يكون قد أخذ دينه أيضا من الخالق، ودينه الحق، ونحن يجب علينا أن نتبعه ونأخذ ديننا منه، [ انتهى ].

أيها الحاضرون الكرام.. هذا حكم ورأي رجل عالم فاهم وهو بعيد عن الخلافات المذهبية الحادثة بين المسلمين ولكنه حكم على أساس القاعدة العلمية والأصول العقلية. وعليها يجب أن نعرف أيضا المتصل بخالق الكون والآخذ علومه ودينه منه عز وجل حتى نتبعه ونقتدي به.

وليس بعد رسول الله (ص) أحد على هذه الصفة إلا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) إذا كان أعلم الأمة وأفضلهم وأورعهم وأعلاهم حسبا ونسبا وهو التلميذ الأوحد الذي احتوى على كل علوم خاتم الأنبياء محمد (ص)، وهو منتهى كل العلوم التي انتشرت بعد النبي (ص) بين المسلمين واكتسبه العلماء في الدين.

ابن أبي الحديد يصف علوم الإمام علي عليه السلام

قال ابن أبي الحديد في مقدمته على شرح نهج البلاغة: و ما أقول في رجل تعزى إليه كل فضيلة، و تنتهي إليه كل فرقة، و تتجاذبه كل طائفة، فهو رئيس الفضائل و ينبوعها و أبو عذرها، و سابق مضمارها، و مجلي حلبتها، كل من بزغ فيها بعده فمنه أخذ، و له اقتفى، و على مثاله احتذى. و قد عرفت أن أشرف العلوم هو العلم الإلهي لأن شرف العلم بشرف المعلوم، و معلومه أشرف الموجودات، و من كلامه (ع) اقتبس، و عنه نقل، و إليه انتهى و منه ابتدأ... و من العلوم علم الفقه و هو (ع) أصله و أساسه، و كل فقيه في الإسلام فهو عيال عليه و مستفيد من فقهه...، و من العلوم علم تفسير القرآن و عنه أخذ و منه فرع، و إذا رجعت إلى كتب التفسير علمت صحة... و من العلوم علم الطريقة و الحقيقة و أحوال التصوف و قد عرفت أن أرباب هذا الفن في جميع بلاد الإسلام إليه ينتهون، و عنده يقفون...

و من العلوم علم النحو و العربية، و قد علم الناس كافة أنه هو الذي ابتدعه و أنشأه، و أملى على أبي الأسود الدؤلي جوامعه و أصوله، من جملتها: الكلام كله ثلاثة أشياء: اسم و فعل و حرف، و من جملتها تقسيم الكلمة إلى معرفة و نكرة، و تقسيم وجوه الإعراب إلى الرفع و النصب و الجر و الجزم.

و هذا يكاد يلحق بالمعجزات، لأن القوة البشرية لا تفي بهذا الحصر، و لا تنهض بهذا الاستنباط. " انتهى ".

في ذكرى ميلاد الإمام الحسين عليه السلام

هذه الليلة ليلة ميلاد الإمام أبي عبد الله الحسين سبط رسول الله (ص) فبهذه المناسبة أنقل هذا الخبر الذي رواه جمع من المحدثين والعلماء منهم شيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين:ج2:151، تحت رقم 446، وهو من أعلامكم وكبار علمائكم، وأنقل منه الخبر بسنده عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: إن لله تبارك و تعالى ملكا يقال له دردائيل فسلبه الله أجنحته... فلما ولد الحسين (ع) أوحى الله تعالى إلى مالك خازن النار أن أخمد النيران عن أهلها لكرامة مولود ولد لمحمد (ص) في دار الدنيا، و أوحى إلى رضوان خازن الجنان أن زخرف الجنان و طيبها لكرامة مولد ولد لمحمد (ص) في دار الدنيا، و أوحى الله إلى الملائكة أن قوموا صفوفا بالتسبيح و التحميد و التمجيد و التكبير لكرامة مولود ولد لمحمد (ص) في دار الدنيا و أوحى الله عز و جل إلى جبرئيل (ع) أن اهبط إلى نبيي محمد (ص) في ألف قبيل من الملائكة... أن هنئوا محمدا (ص) بمولوده و أخبره إني قد سميته الحسين فهنئه و عزه و قل له: يا محمد يقتله شرار أمتك... فويل للقاتل و ويل للسائق و ويل للقائد.

قاتل الحسين أنا منه بري‏ء و هو مني بري‏ء لأنه لا يأتي يوم القيامة إلا و قاتل الحسين أعظم جرما منه، قاتل الحسين يدخل النار يوم القيامة مع الذين يزعمون أن مع الله إلها آخر، و النار أشوق إلى قاتل الحسين ممن أطاع الله.

فهبط جبرئيل على النبي (ص) فهنأه كما أمره الله عز و جل و عزاه ، فقال النبي (ص): أتقتله أمتي؟ قال: نعم... فقال النبي (ص): ما هؤلاء بأمتي، أنا بري‏ء منهم، و الله بري‏ء منهم، قال جبرئيل: و أنا بري‏ء منهم.

فدخل النبي (ص) على فاطمة (ع) فهنأها و عزاها، فبكت فاطمة (ع) ثم قالت: يا ليتني لم ألده. قاتل الحسين في النار. فقال النبي (ص): و أنا أشهد بذلك يا فاطمة، و لكنه لا يقتل حتى يكون إماما، يكون منه الأئمة الهادية هم: الهادي علي ـ والمهتدي الحسن ـ والعدل الحسين والناصر علي بن الحسين ـ والسفاح(69) محمد بن علي، والنفاع جعفر بن محمد ـ والأمين موسى بن جعفرـ والمؤتمن علي بن موسى ـ والإمام محمد بن علي ـ والفعال علي بن محمد ـ والعلام الحسن بن علي ـ و من يصلي خلفه عيسى ابن مريم " المهدي ع " فسكنت فاطمة من البكاء ثم أخبر جبرئيل النبي (ص) بقضية الملك [ دردائيل ] و ما أصيب به.

قال ابن عباس: فأخذ النبي (ص) الحسين... فأشار به إلى السماء ، ثم قال: اللهم بحق هذا المولود عليك لا بل بحقك عليه... فارض عن دردائيل و رد عليه أجنحته و مقامه... فرد الله تعالى أجنحته ومقامه... " الحديث ".

فيا إخواني، أيها الحاضرون، فكروا وأنصفوا هل بعد هذا الخبر وأمثاله وبعد هذه المناقشات والمحاورات التي دارت بيننا في هذه الليالي العشرة، يبقى شك ويوجد ريب عندكم، بأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) هو الخليفة والإمام على أمة الإسلام بعد النبي (ص)، ومن بعده الأئمة الكرام من أبنائه الهادين المهديين بأمر الله الخالق العلام؟

ثم رفعت يدي إلى السماء وقلت: اللهم اشهد أني كشفت لهم الحقائق وأوضحت لهم طريق الحق من بين الطرائق بالدليل والاحتجاج، فإن رفضوه وأصروا على باطلهم فقد سلكوا سبيل الغي عن عناد ولجاج.

النواب يعلن تشيعه

النواب: أيها السيد الجليل! أنا وجماعة من زملائي حضرنا كل مجالس البحث والحوار بكل ولع ولهفة واستمعنا المناقشات وتتبعنا الأحاديث والمواضيع المطروحة بالفكر والدقة شوقا إلى معرفة الحق وكشف الحقيقة.

وقد ثبت عندنا وظهر لنا في كل ذلك بأن الحق معكم وفيكم. وكنا نظن من قبل، عكس ذلك بل كنا على يقين بأننا على حق وأنتم على باطل.

ولكن بعد المحاورات والمناظرات الكثيرة التي دارت بينكم وبين جمع من علمائنا في هذا المجلس العام وتناقلتها الصحف والمجلات، ظهر الحق وزهق الباطل، وأنا على يقين بأن كثيرا من الحاضرين ومن البعيدين اللذين قرأوا الصحف وتتبعوا المناقشات أيضا سوف يعلنون ما نعلنه الآن أنا وزملائي وهم من الأعيان والشخصيات المعروفة في هذه البلاد، أما أنا فاسمي نواب عبد القيوم، وزملائي هم: السيد أحمد علي شاه، وغلام إمامين، وغلام حيدر خان، وعبد الأحد خان، وعبد الصمد خان نعلن أننا منذ الآن على مذهب الشيعة الإمامية، فإننا اعتنقنا مذهب أهل البيت، ونعلن في هذا المجلس بأن الإمام علي مع الحق والحق مع علي (ع) كما أعلن النبي (ص)، ونعتقد بأنه الخليفة الأول لرسول الله (ص) وأن الذين تقدموا عليه، إنما غصبوا حقه وظلموه، ونعتقد بأن الأئمة بعده هم أبناؤه: الإمام الحسن سبط رسول الله (ص)، وبعده الحسين )، وبعده الحسين شهيد كربلاء، وبعده التسعة المعصومون من أبناء الحسين. ونحن إنما تركنا مذهب آبائنا وطريقة أسلافنا عن علم ويقين وإيمان بما صرنا إليه واعتنقناه.

قلت: أحمد الله وأشكره إذ هداكم إلى الحق، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

وأحمد الله وأشكره على ما وفقني من بيان الحق وتوضيح الحقائق، وأنا فرح ومسرور جدا بتشيعكم واعتناقكم مذهب أهل البيت (ع) وأسأل الله تعالى أن يوفق الأخوة الآخرين أيضا بالتفكر والتحقيق وترك التعصب والعناد، فإن الحق واضح لمن أراده.

ثم قمت من مجلسي وقام الجمع وأقبل نحوي النواب عبد القيوم مع زملائه المتشيعين المهتدين فاحتضنتهم وعانقتهم وهم قبلوا جبهتي وقبلتهم.

فقال الحافظ مودعا: إنا فتنا بحسن بيانكم وقوة احتجاجكم وطيب أخلاقكم، وإن فراقكم يعز علينا، ولو كانت مجالستكم تطول شهورا ما مللناها وكنا نلتزم بالحضور.

قلت: أشكر ألطافكم وحضوركم، وإن الأيام بيننا كثيرة، وأنا أفارقكم وأسافر، على أمل الرجوع إليكم واللقاء معكم إن شاء الله تعالى.

ثم تقدم إلي سائر العلماء، وبعدهم الشخصيات والأعيان الذين كانوا في المجلس، وكل أبدى أسفه من اختتام مجالسنا وكانوا يبدون شوقهم ورغبتهم في استمرار المناقشات، وكنت أقول لهم: أسأل الله تعالى أن يوفقني للسفر إليكم مرة أخرى وأن نجلس معكم ونحادثكم أكثر مما جالسناكم وحادثناكم.

وهكذا انتهت الليالي العشرة والمحاورات، وكل من الطرفين كان متلهفا ومتعطشا لاستمرارها.

أسأل الله تعالى أن يوفق جميع المسلمين لقبول الحق وأن يفتحوا بينهم باب التفاهم والحوار السليم لمعرفة الحق والصراط المستقيم، والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.